بين الفردانية المنتجة وعقلية المنصات التفاعلية.


هل غابت سيطرة “الأخ الأكبر” حقاً في عالم صناعة القناعات اليوم؟
هل افتقدت المركزية الإعلامية هيبتها بعد أن كان تحت يديها التلفزيون والصحافة والسينما وغيرها من وسائل الإعلام والتأثير؟

كل هذا التحول الذي نحسبه انتقالاً من المركزية إلى الفردية محسوباً من قبل أو هو ضمن تحول طبيعي مع تطور ونمو التكنلوجيا حيث نخاله تمركزاً نحو الفردية وهو غير ذلك؟!
باتت المنصات الاجتماعية مشاعاً وترجمة لتوجهات الأفراد ومتنفساً دون قيود، وافتقدت الحكومات كما أساطين الإعلام القدرة على التحكم بما يُقال من عدمه..
فأصبح الفرد قادراً على التعبير بمساحات تملأ الخافقين ضمن منصات “مجانية” مع تطبيقات أخرى مساندة لا تنتهي..
فهل كل هذا تعزيز للحرية الفردية أم توليف ذكي في تحويل ما نعتقده حرية فردية إلى إنشاء قاعدة ضخمة من “المشتركين” و”المترددين” و”المدمنين” الذين ينشدون “التعبير” و”التواصل”؟ وهم يشكلون “العُملة الجديدة” في سوق اليوم في تفاعلهم وسوادهم؟!
صناعة المحتوى بقدر ما يساهم الفرد فيه فهناك عوامل مؤثرة لا يمكن إغفالها من قبيل “المؤثرين” و”الترند” وتدوير المحتوى ضمن شبكة العلاقات المحيطة بالفرد، مما يشكل موجة للعقل الجمعي العام، وهو بطبيعته لا ينفك عن حركة السوق.

وبرغم توفر هذه المساحة للتعبير، إلا أن الاستفادة من ذلك للتشبيك المعرفي والابتكار في المحتوى -في العالم العربي- بات ساكناً في الهامش أكثر منه في متن كتاب حياتنا اليومية.
فليس هناك شئ لا يمكن ابتكاره ونشره والمشاركة به مع الرقمنة التي باتت “أكسجيناً” لا يمكن التخلي عنه في عالم اليوم، وهو أمر بديهي مع تطور هذا الكائن العصري الجديد الذي نسميه “تواصلاً اجتماعياً”، والتعايش مع أدوات هذا الكائن واقع مطلوب وعقلائي، بل علينا توجيه الدفة فيه نحو ثلاث محطات:

1. صناعة المحتوى، لتوجيه الأفكار وصياغتها وتحويلها لسلوك وبالتالي تقديم ما يترجم ذلك من منتجات فكرية أو ملموسة. وبلغة أخرى تسويقية “كوّن الجمهور ثم اصنع المنتج.”

2. ابتكار المنصات والتطبيقات، اعتماداً على سوقين كبيرين هما العربي والإسلامي، وضربت الصين مثالاً حياً على الاستقلالية في المنصات بابتكارها بما يناسبها ولسوقها وجمهورها كبديل عن الواتسب وهو WeChat

3. صناعة العقل الجمعي، بعد صناعة المحتوى وتكوين الجمهور وابتكار المنصات والتطبيقات تكون صناعة العقل الجمعي بتوجيهه إيجابياً للإنتاج والابتكار والترفيه أيضاً. مشاريع مبتكرة معتمدة على موجة التفاعل للجماهير الرقمية حول العالم، من قبيل kick starter وغيرها ومن عَلى شاكلتها، تثبت قيمة الفرد في التوجه والدعم والابتكار والاستثمار والإثراء المعرفي والمشاركة الإنتاجية من خلال crowdfunding.

نحن نعيش في زمن الاستغراق الاختياري في الاستهلاك والإنتاج على حد سواء.

والميل للاستهلاك أكثر جاذبية وإغراء، ففيه التنفيس والهروب وقلة الالتزام والتماشي مع التيار الاستهلاكي الذي تحول لسلوك اجتماعي لا ينفك في كل المجتمعات المعاصرة. بالرغم من القدرة على الدمج بين الاثنين ليتحول الفرد لمستهلك منتج Prosumer مع توفر تقنيات حديثة مثل 3D Printer وغيرها من المنتجات التي تمكّن الفرد من إنتاج ما يريد منزلياً وبيعه بالنت عالمياً.
ومع ذلك تبقى نسبة لا تغيب في المجتمعات المتقدمة ممن يوطّن نفسه على الابتكار والإنتاج مدعوماً بهيكلية متقنة حكومية وخاصة. لتشكيل إنتاج يعكس ثقافة وينشر مفهوم خاص به دون سواه. فمن يُنتج يُغَيِّر.

ومع ذلك، فالقدرة على الابتكار فطرية في أي مجتمع، ويبقى الرهان على تشكيل الأولويات والاهتمام بها وتنميتها من خلال ركوب الموجة الرقمية بذكاء والاستفادة من المعرفة المفتوحة والجمهور ومعرفة السوق وصياغة منتجات فكرية ورقمية جديدة تشمل قيمة مضافة لمجتمعاتنا العربية والإسلامية، لكي لا ندور في رحى الاجترار وننطلق لفضاء أرحب مع قصص نجاح متنوعة ومفاهيم ريادية مبتكرة يمكن الاعتماد عليها لصناعة محتوى لعقل جمعي منتج مؤثر.

نعتقد أن مرحلة استنساخ التجارب الغربية يجب أن تتحول لتربة خصبة لننتقل لمرحلة ذاتية الإنتاج بشكل أكبر. إذ ما زلنا في دائرة الطواف حول الأنموذج الغربي في مجال الابتكار والصناعة وتنمية الذات وغيرها، ولا عيب في ذلك، إلا أن الاستغراق فيه يسلبنا القدرة على الإنتاج الذاتي والابتكار فيه ويحولنا لردات فعل أكثر من صناعته، ومن لا يصنع الفعل يكون على الهامش دوماً.

سواء كان “الأخ الأكبر” وصياً مسيطراً بذكائه أو أن زمانه انتهى، فالرهان كل الرهان في المقدرة على الاستفادة الذكية من كل ما يحيط بِنَا لنبتكر وننتج ونؤثر. ما دامت المعرفة “مشاعاً” لم تعهد البشرية مثلها من قبل. فالحجة قد اكتملت .. والسلام.

للاستماع إلى الحلقة صوتياً

https://soundcloud.com/user-320829305/lrwsj94p613u

 

Leave a Reply