بين صناعة المعرفة واستخدامها في الأزمات.. أين نحن؟

دفعت الأزمة للتشارك المعرفي أكثر من أي وقت مضى، فبات ما كان له ثمن “مشاع” الآن بين يدي الجميع، ليتعلم وينهل مما يود معرفته بالمجان.

كتب ومجلات ودوريات وتطبيقات وبرامج وفعاليات رقمية ودورات وورش ومحاضرات، تدفع مالاً للظفر بها، أصبحت “متاحة” للجميع دون استنثاء. أو على أكثر التقادير باتت بثمن أقل بكثير مما كانت عليه.

هذا التوجه والزخم المعرفي المتدفق “المجاني”

ترجمة جميلة للتكاتف البشري وفرصة ذهبية لرفع الحصيلة الذهنية أكثر من أي وقت مضى.

فباتت صناعة المحتوى تعمل على قدم وساق، سواء فيما يتعلق بالتعامل مع الأزمة في جميع جوانبها الصحية والنفسية والعملية والاقتصادية وغيرها.

أو بالمجمل العام في المعرفة بمجالاتها المتنوعة، فتظفر من مواقع تقديم الدورات عروضاً لم تكن من قبل، وولوجاً لمصادر معرفة كمكتبات كان لا بد لك من اشتراك ودفع لتحظى بفرصة الإبحار في مصادرها.

كل ذلك وأكثر بات “بدون مقابل” أو قريب من ذلك.

قد يعتبره البعض تسويقاً ذكياً لربط الناس ببعض العلامات في وقت الأزمات، وهل هناك وقت أكثر مثالية من ذلك؟!

وآخرون قد يعتبرونه مجرد “مساهمة” في مساعدة الناس في هذه الأزمة ليس إلا.

وسواء كان تسويقاً أو مساهمة، أو ربما غير ذلك، إلا أنه من المؤكد، أن ترك بصمة “معرفية” في وقت الأزمات سيكون لها صدى مؤثر على مُقدِّم المعرفة ومُتلقيها، وتتم بناء العلاقة بينهما بشكل تلقائي.

وهنا بيت القصيد.

أن تتوطد العلاقات أكثر عبر تشارك معرفي بين العلامات التجارية والجمهور.

قدمت أمازون الكتب الصوتية للأطفال مجاناً، وقائمة طويلة من شركات البرمجيات والتطبيقات والمكتبات وغيرها ساهمت بتقديم ما في جعبتها مجاناً للعالم.

وقبل الأزمة كانت صناعة المحتوى تنهمر دون توقف، وفي الأزمة، تضاعفت صناعته بإفراد عنوان خاص بفيروس كورونا والعيش وقت الأزمات، مع تنوع في المحتوى المقدم من مقالات ومواقع إلكترونية وفيديوهات وصوتيات وورش عمل ومحاضرات، كون دورة صناعتها قصيرة وسيأتي بعدها كتب سواء انتهت الأزمة في غضون عام أو طالت.

كل ذلك يدفعنا للعمل على أن نكون إما صانعين للمعرفة أو متلقين لها وعاملين بها.

إن السلوك اليومي الجديد بسبب الأزمة شكل بيئة خصبة لكل من مُرسل المعرفة ومستقبلها على حد سواء.

وكما أتاح الوضع وفرة معرفية فقد زاد بالمقابل رتم تخمة الترفيه بأشكال مختلفة أيضاً.

وما بين المعرفة والترفيه يكون الصراع على من يأخذ نصيب الأسد من رأس مالنا الثابت “الوقت”.

فإلى من نهبُ وقتنا له، ليكون استثماراً مُجدياً ومؤثراً وقت الأزمة وما بعدها؟

إن قدرتنا كبشر على التكيف كبيرة جداً وهبة إلهية حقيقية، وقدرتنا على التحمل تجعل من تجاربنا تراكمية، لنبدأ في كل مرة بنقطة مرجعية point of reference مختلفة وأعلى درجة من ذي قبل.

فهل لنا القدرة مع الرغبة في أن ننهل من مصادر المعرفة المحيطة ونغير مرجعيتنا الفكرية في أمور نعتبرها من “المُسلمات”، لتبدأ بمراجعة جادة في كثير من مُخلفاتنا الفكرية كالتمييز والعنصرية والأنانية وضيق الأفق وغيرها من معوقات التقدم البشري، برغم وجود هذا السيل المعرفي المهول بين أيدينا؟!

هل نحرّك بشريتنا بشكل أكبر لنبدأ صناعة التغيير المبنية على مركزية الإنسان human centric

فعلاً وترويجاً وصناعةً وتفاعلاً وإلهاماً مع مراجعة حقيقية لعلاقتنا الثنائية كبشر.

أو ستكون الأزمة مجرد ذاكرة سيئة بعد مرورها ونعود لما كنا عليه قبلها؟!

جعفر حمزة

‏BOXOBIA

Leave a Reply