قطعة الجبن المخرومة 4

جعفر حمزة*

التجارية ٢٣ يوليو ٢٠٠٨م
http://www।altijaria.net/

“ألا توجد عندكم شواطىء في هذا البلد؟ أين يستجم الناس وأين يروحون عن أنفسهم؟، هل نحن في جزيرة حقاً؟”.

رفع طرفه منتظراً الإجابة من ابن هذه “الجزيرة”، وكان “تعجبّه” في محله، ألا يتعجب المرء عندما لا يرى الإهرامات في مصر، أو تلك المناظر الطبيعية الجميلة في لبنان، أو اختفاء النخيل في العراق أو غياب الطواحين الهوائية في هولندا؟ فكان سؤاله في محله، فماذا كانت الإجابة؟
لا أخفيك سراً، وما سأقوله لك ليس من الأسرار العسكرية المحظورة أو من تلك التي يُتهم من يقوم بتسريبها بالخيانة العظمى، أو على الأقل ليس من يفشيها سيكون ممن يُشك في “وطنيته”। فكانت الإجابة “مطامع شخصية وسوء تخطيط، هما اللذان أديا إلى وجود جزيرة بلا سواحل”.

ولعلم القارىء ما قلته سابقاً كان جواباً مخففاً وغير علمي بعض الشيء، إذ يلزم أن تكون شواطىء للجزيرة لا سواحل، حيث أن الأخيرة تكون أماكن مُعدة سابقاً لتكون واجهة مطلة على البحر، في حين تكون الشواطىء لسان يطل على البحر غني بالأحياء البحرية وجميع صورالمكونات الأساسية للشاطىء الطبيعي। وبعبارة أخرى فالسواحل صناعية والشواطىء طبيعية।

وعوداً على سؤال الأخ العربي القادم من الغرب، فلم تكن ردة فعله سوى هز رأسه وابتسامة شممت منها رائحة الضحك على واقعنا. ففي ظل “طفرة عمرانية متسارعة” في المملكة، وتوسع استثماري مشهود، وقفزات في الانفتاح الاقتصادي، و”تنمية” حجرية أفضت إلى “تناطح” العمارات والبنايات، حتى تم الاستغراق في الحجر ونسيان البشر، كما شبهها أحد المسؤلين الإماراتيين في خضم حديثه عن “الإنغماس” في التعمير والتطوير المادي، ونسيان التنمية البشرية. ففي ظل كل ذلك، هل من المستحسن طرح ذلك السؤال؟ وهل يشكل فارقاً مهماً يستحق الحديث عنه؟ ولم كل هذه الجلبة من البعض في رفعها لعناوين الحفاظ على البيئة و..إلخ من الكلام؟

إن رفع الحَجَر تأتي عندما يُرفع من قدر البشر، ولنأخذ الأمور ببساطتها في المجتمع البشري، فعبر ذلك يمكن الحديث دون “أقنعة” أو “مسبقات فكرية” تفرض على الكاتب كما على القارىء بعض المسلمّات التي لا فائدة من الحديث عنها।
تجهد الدول في العقدين الأخيرين، بتأسيس مبدأ الاستفادة المثلى من الموارد الطبيعية والبشرية ليكونا هما رأس المال الأساس في ظل تصاعد محموم في المنافسة، فضلاً عن تخطيط للمستقبل بلحاظ العمر الافتراضي القصير لموارد الطاقة التقليدية. وبدلاً من المقارنة والتقييم مع دول أخرى وإن كان ذلك أمراً منطقياً ومرغوباً، فإننا نفضل الحديث عن البحرين بمقوماتها وحالها وما هي الصور الناقصة فيها، والتي جعل من ثيمة “جزيرة بلا سواحل” كمنقصة حين الوصف. وإليكم الثقوب التالية في جزيرتنا، والتي جعلت الكثير من الملفات كجبنة سويسرية تلمؤه الكثير من الثقوب، ولكم الحكم:

الثقب الأول: مع زيادة عدد السكان في هذه الجزيرة، والذي قارب المليون وزيادة، والتي اكتشفناها مؤخراً من لدن إحدى الأجهزة الحكومية، وكأنها تغني خارج السرب، دون علم بقية الوزارات والهيئات الحكومية بالعدد. جعلت تلك الزيادة الخطط التنموية في “حيص بيص” كما يقولون، وهو ما يستلزم وضع خطط تنموية جديدة تراعي العدد الحقيقي الجديد من مشاريع الإسكان والخدمات وتوابعهما.

ويدفعنا هذا الثقب للسؤال عن وجود مخطط للمملكة، فهل يوجد؟

الثقب الثاني: مع زيادة عدد السكان، تكون النتيجة الطبيعية زيادة عدد المساحات الخاصة لهذه الأنفاس البشرية، والملاحظ هو زيادة في عدد المساحات، والتي أتت على البر والبحر بطريقة “مدمرة” بكل ما للكلمة من معنى، حيث يتم استخدام أسلوب قاسٍ للطمر والدفان في عرض البحر، بالرغم من وجود أساليب بيئية سليمة للقيام بذلك. ويبقى السؤال لمن هذه المساحات المطمورة بحراً و”المأخوذة” براً؟
ويدفعنا هذا الثقب للسؤال عن وجود مخطط للمملكة، فهل يوجد؟

الثقب الثالث: هَوَس لم يُشهد له مثيل في “الاستيلاء” على الأراضي والتي باتت ذهباً، ولا ضير في أن تكون تلك الأرض “وقفاً” أو “قبراً”، فالأرض تبقى أرضاً، ويمكن تحويلها إلى استثمار مربح। وتبعات ذلك عديدة تنعكس اجتماعياً ودينياً وقانوناً، وقبل هذا وذاك، تنعكس بصورة إنسانية.
ويدفعنا هذا الثقب للسؤال عن وجود مخطط للمملكة، فهل يوجد؟

الثقب الرابع: مصادرة حق عام من الناس ووضعها ضمن “أملاك خاصة” لهذا المتنفذ أو ذاك। فكم هي الشواطىء التي تمت مصادرتها، وهي حق مكفول عقلاً ودستوراً وقانوناً وعرفاً للناس؟ لو كان الأمر بيد البعض لباع الهواء على الناس.
بل وصل الأمر لبعضهم بتحويل المياه الإقليمية إلى “أملاك خاصة” (1)
ويدفعنا هذا الثقب للسؤال عن وجود مخطط للمملكة، فهل يوجد؟

الثقب الخامس: وضع البيض “الفاسد” في سلة واحدة، لا يُزكم الأنوف بل يُمرضها. فلم بناء المصانع التي لا تراعي الشروط البيئية قرب سكن الناس في قراهم ومدنهم؟ فإن كانت المصانع قد بُنيت سابقاً، فيمكن حلها عبر تحسين الشروط البيئية ومراعاتها، وإن كانت حديثة، فلا عذر لها.
ويدفعنا هذا الثقب للسؤال عن وجود مخطط للمملكة، فهل يوجد؟

وبعد كل تلك الثقوب، يبدو أن الجواب في سؤالنا المكرر بعد كل ثقب، هو “نعم، يوجد مخطط للمملكة على مدى الثلاثين السنة القادمة”. حمداً لله يوجد مخطط، وهل سيحل تلك الإشكالات؟ “تفاءلوا بالخير تجدوه”. ولنرى…

أولاً: بعض التصنيفات من سواحل وأراض لم تدرج ضمن المخطط، بالإضافة إلى بعض المناطق الصناعية والمشاريع الإسكانية وبعض المشاريع الخاصة التي لم تدرج أيضاً في المخطط।

ثانياً: لم يستطع المخطط أن يعالج موضوع إيجاد مساحات صناعية جديدة بعيدة عن المناطق السكنية، ولايزال هذا المخطط يكرس مبدأ أن تبقى المناطق السكنية بالقرب من المناطق الصناعية والعكس، ناهيك عن التأثيرات البيئية الأخرى. هذا ما ذكره الناشط البيئي غازي المرباطي.
ثالثاً: لم يكن لمؤسسات المجتمع المدني أية بصمة أو مشاركة في هذا المخطط كما يحدث في حال وضع المخططات الاستراتيجية في الدول، إذ يتم أخذ آراء الأهالي ومؤسسات المجتمع المدني في الجوانب الرئيسية للمخطط حيث له علاقة بالجوانب التنموية في البلد।
هذا ما أتى على لسان النائب جواد فيروز. ويبدو أن عليّ التوقف، وإلا فإننا سننتهي بكتاب لن يسر الكثيرين، ونعود لبساطة الأسئلة فهي أوقع وأقوى. هل مع ما ذكر يمكننا الحديث عن تخطيط أو تخبيط؟ ويمكننا الرد عبر تعليق للباحث الكويتي في علوم البيئة وعضو هيئة التدريس في الجامعة العربية المفتوحة مبارك العجمي ” لا توجد استراتيجية بيئية في البحرين”. والذي أردفه بسؤال “جزيرة عدد سكانها في تزايد. لا بحر فيها ولا أشجار. فأين يستجم المواطنون؟ لابد أن يكون هناك متنفّس للناس”.
بل ويزيد الأمر سوءً عندما ندرك أن هذا الجشع يعود بظواهر بيئية جديدة عنّا، وآخرها ظاهرة الغبار، حيث يذكر الناشط البيئي مبارك العجمي أن الغبارالذي مرت فيه البحرين كان بسبب الردم البحري. (٢)
وردنا هو عندما تتحوّل الأرض التي نعيش عليها أو بالقرب منها إلى قطعة جبن سويسرية، مقطعة حتى النخاع، فإن كل ما ذكر ليس بوارد البحث، والتبعات البيئية والاقتصادية والصحية والسكانية والاجتماعية ستتزايد، لتصل إلى أن “ينفر” الفأر من الاقتراب من هذه الجبنة، وعليكم بالعافية.

(1) ما ذكره رئيس لجنة المرافق العامة والبيئة بالمجلس النيابي جواد فيروز. الوسط 18 يوليو 2008م.

(٢) الوقت، ١٩ يوليو ٢٠٠٨م.

*مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرف

4 thoughts on “قطعة الجبن المخرومة

  1. azameel Jul 26,2008 3:33 pm

    كل يوم وأنا امر أما السواحل الطبيعية التي دمرت او التي صارت اسيجة خاصة، وأرى الحفارت يبدأ السؤال الأخلاقي لدي: أنا جزء من ذلك؟ وذلك من خلال عملي في شركة “كاتر بيلرCATERPILLAR” التي تورد الحفارات لدول الخليج، فأرى الآلةعلى أنها آلة قتل، الإنسان تحول إلى آلة قتل، لأن ثمة إعتداء صارخ على الطبيعة وكل ما هو حي. بعد ذلك تقول لي عليش بالعافية!!
    نحن نتهافات على الحلاوة”العلاوة” وننسى بل نتعمد إن ننسى ثمة لا شيء للحياة هنا أمام المال والجشع والطمع . تنادي بالتنمية البشرية ، وهو رأس المال البشري الآن، أين هو الآن عندما تغلق كل المنافذ أمام وجه؟ ثمة تخطيط لكل شي ولا تقل ليس من نخطيط..!
    للعدد القادم كنت مخططة للكتابة عن البحر، ولكنك سبقتني ، لكن سأكتب عن آخر حي هنا.
    دمت بمحبة ، ولا تنسى زيارتنا.

  2. azameel Jul 26,2008 3:34 pm

    كل يوم وأنا امر أما السواحل الطبيعية التي دمرت او التي صارت اسيجة خاصة، وأرى الحفارت يبدأ السؤال الأخلاقي لدي: أنا جزء من ذلك؟ وذلك من خلال عملي في شركة “كاتر بيلرCATERPILLAR” التي تورد الحفارات لدول الخليج، فأرى الآلةعلى أنها آلة قتل، الإنسان تحول إلى آلة قتل، لأن ثمة إعتداء صارخ على الطبيعة وكل ما هو حي. بعد ذلك تقول لي عليش بالعافية!!
    نحن نتهافات على الحلاوة”العلاوة” وننسى بل نتعمد إن ننسى ثمة لا شيء للحياة هنا أمام المال والجشع والطمع . تنادي بالتنمية البشرية ، وهو رأس المال البشري الآن، أين هو الآن عندما تغلق كل المنافذ أمام وجه؟ ثمة تخطيط لكل شي ولا تقل ليس من نخطيط..!
    للعدد القادم كنت مخططة للكتابة عن البحر، ولكنك سبقتني ، لكن سأكتب عن آخر حي هنا.
    دمت بمحبة ، ولا تنسى زيارتنا.

  3. Zahraa Zabar Jul 29,2008 9:51 am

    اممم يمكنكَ إضافة ثقب سادس أو بالأحرى الثقب الذي فتحَ كافة اثقوف : سياسة التجنيس

    أستغرب من بلد يدار بعشوائية دون استراتيجية واضحة و محددة ..

    يُرمى النرد .. و كيفما جاء تسير اللعبة !

    أؤمن بأن
    ” الوطن هو أي مكان تستيع العيش فيه بكرامة” – روسو

    و لكن ما نعيش فيه …. (انتون بكرامة!!!)

    تحيتي لك

  4. Anonymous Aug 12,2008 11:39 am

    ثقوب جزيرتنا العزيزه كثيره لا اول لها و لا اخر .. و كل يوم تزيد عليهم واحده اخرى .. حتى اني اصبحت اخشى على جزيرتنا من الغرق اذ لم يتم دفن هذه الثقوب .. نتحدث عن جزيره بدون سواحل او شواطئ و ايضا بلد مليون نخله و هي لا تحوي حتى نصف هذا العدد ..
    اذكر احاديث والدي عن البحرين القديمه حين كانت البحرين مازالت جزيره بشواطئ و ليس سواحل و كنا و مازلنا نستمع اليه باستغراب لما يقوله .. اتسائل احيانا : هل ستبقى جزيرتنا كما هي ؟ ام سيخرجون مصطلح جديد ( غير جزيره) لابنيه وسط الخليج ؟ ام ستكون اسطوره وجدت و لاكن غرقت بسبب ثقوبها او ثقلها من الرمال و الابنيه !!!

Leave a Reply