حامض على بوزك

حامض على بوزك
جعفر حمزة*
التجارية ١٤ مايو ٢٠٠٨

عرفته رزيناً هادئاً منضبط الأعصاب، متريثاً في كلامه ومتفاءل ومنطقي، وما إن قمت بالرد على مكالمته الهاتفية حتى بدا لي مهموماً قد أخذت الحيرة منه نصيباً ملحوظاً قد بانت في حشرجات صوته ونغمة كلامه، ولم يتوقف عن سرد كل الاحتمالات التي لديه من أجل البحث عن “عش” يسكن إليه، حتى تعب. كان صاحبي يتحدث عن محصلة اتصالاته بمصارف وبنوك من أجل الحصول على سكن يليق به، وهو في مقتبل الحياة وقد رِزق بولد قبل أشهر. ويبدو أن التفكير في الحصول على سكن في هذه الجزيرة بحاجة إلى عمر نوح أو مال قارون أو صبر أيوب. ويبدو أن معظم إن لم يكن كل المواطنين يدركون هذه “المأساة” التي انطبعت حتى في سلوك أطفالنا الصغار، وباتت من ضمن المواضيع التي تٍحاك منها “الدراما، والأكشن، والكوميديا”، ليصبح الحصول على سكن ملائم أمنية صعبة حتى جني مصباح علا الدين يصعب عليه تحقيقها!
فما هي المعادلة الصعبة التي تحول دون تخطي أساسيات التنمية البشرية في ظل تصاعد ناطحات السحاب والبحر، وذلك من أجل توفير سكن ملائم يضمنه الحق الإنساني قبل وروده في الدستور البحريني؟
سنسرد الأسباب لصاحبنا الذي يعرف بعضها:

أولاً: زيادة عدد السكان والتي ستشهده البحرين خلال السنوات ال ١٠-٢٠ المقبلة، بحسب ما ذكره تقرير أوردته
Oxford Business Group حيث وصفت الزيادة بأنها أزمة إسكان حادة. ومن الجدير بالذكر أن نصف سكان البحرين حالياً تقل أعمارهم عن ١٥ سنة. (١) ويبدو أن ذلك نتيجة النمو الطبيعي للسكان.
ثانياً: وما “يزيد الطين بلة” كما يقولون هو التجنيس العشوائي الذي يأخذ من نصيب المواطنين، “عدد الطلبات الإسكانية في طابور الانتظار ٥٠ ألفاً، منها بضعة آلاف تسبب بها التجنيس السياسي.(٢)
ثالثاً: فضلاً عن وضع الخطط السكنية الحالية على أرقام مغلوطة لعدد السكان، والتي كشفتها القضية الأخيرة تحت قبة البرلمان بخصوص العدد الحقيقي لعدد سكان البحرين، وبالتالي تكون “الحسبة عوجة” منذ البداية، ليس في مجال الإسكان فحسب، بل ينسحب على كل ما يتصل بحياة الإنسان البحريني من خدمات وخطط تنموية.

رابعاً: تملك الأجانب والمواطنين الخليجيين للعقارات في البحرين، حيث يذكر تقرير Oxford Business Group بأن ذلك يُعتبر من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى ارتفاع أسعار العقارات، حيث أن القدرة الشرائية لدى الأجانب والخليجيين أكبر من القدرة الشرائية لمعظم المواطنين البحرينيين ذوي الدخل المحدود.(٣)
خامساً:زيادة رقعة المساحات البحرية والأراضي الخاصة التي تتملكها فئة صغيرة من الناس، ويحضرني بمناسبة ذكر هذه النقطة أزمة الغذا العالمي، حيث يُذكر بأن ” كمية القمح المطلوبة لإنتاج ما يكفي من الإيثانول لتعبئة خزان وقود سيارة واحدة، يكفي لإطعام شخص خلال عام كامل”.
ولا نعلم إن كان منطقياً أو دستورياً وقبلهما إن كان إنسانياً بأن يستأثر فرد بمساحات شاسعة من البر والبحر على حساب حقوق مئات المواطنين في الحصول على سكن “ملائم”. (٤)
سادساً: وجود “تطرف” في صورة العمران الحاصلة على حساب استثمار أساسي وهو تلبية “ألف با” حاجة المواطن، ونخشى أن تكون صورة “قصر فرساي” هي الحاضرة بجنب بيوت متهالكة وأجساد بشرية متراكمة على بعضها في مساحات ضيقة تشعر معها بنَفَس من بجانبك. سابعاً: ضعف الاستثمار في مشروعات الإسكان على مدى ٢٠ عاما ًبالرغم من مضاعفة الحكومة لموازنة الإسكان إلا أن ذلك لا يحل المشكلة بسبب مصادرة أراضي الدولة وبحارها من قبل المتنفذين”। (٥)
ويبدو أن قائمة الأسباب أطول مما ذكرنا، وأما نتائج ذلك فهي عديدة، منها:
أولاً: شح الأراضي والخيارات المحدودة في السكن، وما اتجاه الدولة للبنا العمودي إلا محاولة لحل مشكلة الإسكان دون التضحية بمصالح كبار المتنفذين في الأراضي أو البحر، خصوصاً أن كلفة الإسكان العمودي مشابهة لكلفة بناء البيوت، ولكن كلفة البنية التحتية أقل قليلاً(٦)
ثانياً: التطرف في الفوائد البنكية، والتي لا تتيح للمواطن العادي حتى التفكير في هذا الخيار، حيث يذكر صاحبي أن البنك لا يُعيرك اهتماماً إن لم يكن راتبك تجاوز ١٠٠٠ دينار، وعلى فرض أنه سيشتري بيتاً متواضعاً بقيمة ١٠٠ ألف دينار، فعليه سداد قسط شهري بقيمة ٧٦٩ دينار، فضلاً عن أن بعض البنوك تشترط عليك سداد نسبة ١٠-٢٠٪ من قيمة العقار المطلوب شراءه، وهو ما يحتاج لقرض آخر لسداده!
ثالثاً: ارتفاع أسعار العقارات। لو أراد المواطن البقاء في بيت والده وبناء “شُقيقة” -تصغير شقة- فعليه أن يفتح جيبه على الأخر نتيجة ارتفاع أسعار البناء، فضلاً عن نشاط محموم لمافيا خفية تعمل على ارتفاع بعض مواد البناء.
رابعاً: لا يمكن أن تقول لأحد أن يكتب أو يرسم ورجليه في ماء حار. والحال كذلك في مسألة التنمية البشرية والتي نريد أن تكون البحرين في مصاف التحديات المتلاحقة في العالم والمنطقة، ونحن ما زلنا لم نبرح قاعدة ماسلو الأساسية، وهي البحث عن الأساسيات “السكن والمشرب والمأكل”، فهل نفكر في إطعام جائع أو عرض لوحة فنية عليه؟ خامساً: طول فترة الإنتظار، وما يترتب عليها من تبعات مالية تتمثل في البحث عن بدائل لحين “الفرج”. سادساً: نتيجة زيادة عدد السكان المعلوم، وغير المعلوم، تكون الخدمات الإسكانية محدودة وب”القطّارة”، سواء في القروض، الوحدات السكنية “الشقق”، أو البناء، ليصبح “شقة لكل مواطن”!
ولكي نخرج من هذا النفق المظلم، ولكي لا نتقاتل عمراً ومالاً وجهداً على صناديق اسمنتية عمودية أو أفقية -إن وجدت-:
أولاً: الاستفادة من فائض الميزانية البالغة أكثر من مليار دولار نتيجة ارتفاع أسعار النفط والتي تجاوزت الـ١٠٠ دولار، وهي كافية لبناء أكثر من ٤٠ ألف وحدة سكنية.

ثانياً: شراء الحكومة للأراضي واستثمارها للسكن।
ثالثاً: ضخ ميزانية أكبر لبنك الإسكان وتيسير القروض مبلغاً وسداداً.
رابعاً: الحد من تملك الأجانب للعقارات، وتقنينها بالمناطق الاستثمارية دون السكنية فقط.

خامساً: وقف المتنفذين ووضع حد للفساد امالي والإداري، وتنشيط عملية المراقبة فيما يخص المشاريع السكنية وتوزيعها. و إلى أن يحين استيعاب الزحمة السكانية، والبدء بالحلول دون الشعارات، أقول لصديقي وقبله نفسي “حامض على بوزك” إذا حصلت على سكن.

(1,3) صحيفة الوقت، ١٢ نوفمبر ٢٠٠٧م.
(2,5,6) صحيفة الوقت، ٢٤ نوفمبر ٢٠٠٧م.
(4) يمكن مراجعة ما ذكره إبراهيم شريف عن بعض المشاريع التي تم مصادرة البر والبحر منها في صحيفة الوقت العدد ٦٤٢.
* باحث في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرف

Leave a Reply