حمامة الحي قد تُطرب


حمامة الحي قد تُطرب

جعفر حمزة*

التجارية ٩ أبريل ٢٠٠٨

سيارة تقطع مسافة طويلة وبأقل كمية ممكنة من الوقود، والتوصل إلى طريقة فعالة في عمليات تقطير البترول وصناعة الألمنيوم والمطاط. بالإضافة إلى ابتكار نظام التوقف التلقائي للسيارات بأنواعها المختلفة والذي يقلل من الحوادث في الطرقات. (١)
ذلك غيض من فيض إبداعات شباب بحريني طموح شق طريقه بعزم وبموارد بسيطة ليثبت لنفسه قبل غيره قدرته في العطاء والإبداع والتفوق. كانت ساحة العرض ضمن معرض إبداعات خريجي معهد البحرين للتدريب ليثبت مرة أخرى قدرة هذا المعهد كغيره من مراكز الإبداع في هذه الجزيرة على تقديم عطاءات للوطن من نوع مختلف، عطاءات لا تحتاج معها إلى اسم عائلة أو انتماء عرقي أو مذهبي للفوز بالمناقصة، بل كل ما يحتاجه مقدم هذا العطاء هو نفس وطنية واجتهاد وإخلاص في تقديم الإبداع لهذا الوطن.

وقبل ذلك كان المعهد مرة أخرى مسرحاً لإبداعات من بينها جهاز يمكن بواسطته التحكم في الأجهزة الإلكترونية عن بُعد، ومشروع آخر يُساهم في تنظيف شرائح الألمنيوم ويحافظ على البيئة، وسيارة تعمل بالصوت. (٢)

ولو وُظفت الطاقة التي تُخصص في “سوق عكاظ البحرين” والذي يتم طرح الملفات التي تستنزف آلاف من ورق الطباعة وأطنان الحبر وآلاف الكيلووات من الكهرباء والتفكير والوقت والصحة لوصلنا إلى الطريق الذي شقّت فيه بلدان كسنغافورة طريقها نحو التميّز والتطور التنموي البشري، وهو سبب التنمية الاقتصادية المذهلة التي يفتخرون بها.

ويبدو أنّ الناس ثلاثة في مثل حالة “غض الطرف” التي نعيشها حتى النخاع، وبدأنا ننسى مفهوم التنمية البشرية والاقتصادية والتي ستأخذ الناس إلى مراتب معيشية محترمة يمكنهم من خلالها التفكير في الإبداع بدلاً من التفكير في خبز الصباح أو الاستمرار في الطائفية بالصياح، وعوداً إلى الأصناف الثلاثة التي تعيش معاً تحت سقف واحد، فإما من ليس لديه فكر إبداعي ولا يُنتج فهو كالفطر الذي ينمو على الأشجار ويستنفذ غذائها ليضرها وفي نفس الوقت لا يمكن أكله، وإما من لديه إبداع ويجهد لإظهاره وربما يعرف وربما لا، فهو كمن يمتلك كنزاً لا يعرف كيف يفتحه، وأما الصنف الثالث فهو كزعيم عصابة الأربعين حرامي، يعرف كلمة السر ويعرف مكان الكنز، بالطبع يعرف فهو سارقه.

“لو كانت هذه الفكرة بالخارج لتم تبنّيها” هذه هي الثيمة المشتركة نوعاً ما عندما تجلس مع مبدع أو مخترع في البحرين، وهذه دلالة لها دلالاتها الخطيرة في المجال العلمي والتنموي على حد سواء، فإن كان هذا الشاب المخترع لا يثق بأنّ هناك جهة تتبنّاه فما الذي سنتوقعه من الجيل الصاعد، والمتمثل في طلاب المدارس والجامعات والمعاهد، فضلاً عن العاملين والموظفين بل حتى من لديه مرآب “كراج” في منزله، هؤلاء كلهم لديهم القابلية للعطاء بل والكرم فيه إن تم تقديم الفرصة لهم دون تمييز وبحيادية، فضلاً عن الموضوعية في مسألة التقديم.
إنّ الدول تعتمد على ثروتها البشرية والكامنة في العقول المبدعة والتي تمثل الوقود الفعلي لدفع عجلة التنمية، وذلك في ظل صراع محموم لا يتوقف، لتكون أصل التنمية هي في ثلاثة أمور، هي:
أو،لاً: ترسيخ العقلية المنتجة في الوطن، من خلال تشجيعها ودفعها بموضوعية وسخاء.
ثانياً: دعم مباشر وقوي للمبدعين، لتبدأ سلسلة التفاعلات الإيجابية للإبداع في كل ساحة وميدان.
ثالثاً: القيام بعملية “التمثيل الضوئي” كما نسميها، وذلك من خلال الاستفادة من لاخبرات الأجنبية وتحويلها إلى صيغة محلية من خلال عملية الاستبدال في زمن محسوب للأجنبي الخبير بالمحلي المبدع.

ولا يمكن الحديث عن تنمية بشرية حقيقية إن كان هم الفرد مع إشراقة الشمس وربما قبلها في السعي للحصول على حد الكفاف من المعيشة، ليبقى الحديث عن الإبداع والابتكار ضرب من “الترف الفكري” له وبعبارة أخرى مجرد “هرار”.

ومع ذلك عشتُ مع أشخاص خبزهم الإبداع والتفوق، ولم يُثنهم عن تحقيق إبداعهم شيء سواء داخل البحرين أو خارجها، تلك الروحية ما زالت موجودة وبقوة في المواطن البحريني المبدع، في أولئك المبدعين من خريجي معهد البحرين وبعض المدارس الصناعية، بل موجودة حتى في ذلك القروي البسيط الذي يبدع في إصلاح السيارات بطريقة ذكية، وهو لا يمتلك سوى مساحة الرصيف مقابل منزله ليظهر إبداعه في إصلاح سيارات أصدقائه ومن يعرفهم.
إنّ الدول التي تسعى لوضع قدم راسخة لها في الخارطة التنموية والاقتصادية محلياً وعالمياً، هي تلك التي تحوّل طاقتها البشرية المحلية إلى مخرجات ترجع لصالح المستوى المعيشي والقدرة على البقاء وبصلابة في ظل عواصف التتغيرات الاقتصادية والدولية. ويحضرني في هذا الصدد قيام بعض الشركات الهندية بعملية “استرداد” للعمالة الهندية الخبيرة، والتي هاجرت من بلدها للحصول على مردود مال مُجزٍ. حيث قامت إحدى الشركات الهندية بمدينة حائل السعودية بالإعلان عن طلب الخبرات الهندية للعودة إلى بلادهم وبرواتب مُجزية. لقد باتت الدول تعي أهمية الاعتماد على كوادرها المحلية في تشغيل طاقتها بكامل قدرتها في خضم أمواج العولمة العاتية.

وبالرغم من “شحة” المبادرات الوطنية سواء على مستوى القطاع الحكومي أو الخاص، إلا أنّ هناك بعض المبادرات التي تبرز إبداع البحرينيين ، من بينها برنامج ولي العهد للمنح الدراسية، حيث كان آخر أخبار إنجازات الطلبة البحرينيين هو فوز حسن الحلواجي بالمركز الأول في مسابقة كتابة لمقال من بين ٢٦٠ طالباً من مختلف المدارس البريطانية، والتي نظمتها كلية إمبريال في بريطانيا.

وللعلم، فليس البدء الجدي بالاستفادة من الإبداع المحلي بأمر سيطول انتظاره، فكما يقول بعضهم “إن لم تستطع أن تملأ فراغك، فسيملؤة غيرك”، فلم يعد العالم “كانتونات” تحصرها أسماء دول ، بل أصبح أقصاه متصل بأدناه، ويمكن بيع وشراء الأفكار أينما كنت وبمبلغ يقبل المساومة، ويبقى السؤال حول من سيفتح باب الدعم أولًا، وطني أو عالمي؟
نأمل أن تكون حمامة حيّنا هي التي تُطرب لا غيرها.

१الوقت٣١ مارس ٢٠٠٨
٢ الوقت ٢٢ أبريل ٢٠٠٧

* مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي

Leave a Reply