ضفادع مسلوقة

ضفادع مسلوقة


جعفر حمزة

للحصول على ضفادع مسلوقة ذات نكهة خاصة، ينبغي أن تكون الضفادع حية وموضوعة في الإناء لضمان الحصول على طعام مميز وشهي، والأمر ليس بالعسير كما يبدو، فما عليك إلا وضع ضفدع حي في إناء به ماء فاتر، حتى تضمن بقاء الضفدع فيه دون حراك، وبعدها عليك برفع درجة حرار الماء ببطء شديد، وفي النهاية ستحصل على ضفدع مسلوق.

ليست تلك بوصفة لطبق من شرق آسيا أو من بدع طبخات الغرب الغريبة، بل هي وصفة لطبق يتم تقديمه في مجال السياسة والاقتصاد والدين، ويعود الفضل إلى علم النفس والبيولوجيا،
حيث من المعروف ردة فعل الضفادع السريعة إزاء التغيرات المحيطة بها، وفي وصفتنا المقدمة لا يمكن بحال من الأحوال أن نضع الضفدع في ماء حار منذ البداية، فآليات دفاعات جسمه الطبيعية سترسل إشارات سريعة بضرورة القفز من الإناء؛ لأنه يلحظ درجات الحررارة القاتلة فوراً.

وسر الطبق هو في عبور دفاعات جسم الدفاعات من خلال رفع درجة الحرار ببطء، بحيث تتقبّل آليات الدفاع لديه الوضع الجديد الصغير وتتكيّف معه، لحين وصول درجة حرارة الماء للغليان، وعندها لن يكون بمقدور الضفدع الهرب ويتحول إلى ضفدع مسلوق!

ولئن كان الضفدع المسلوق ليس شهياً لدى الكثيرين من الناس إلا أنّه يمثل الوجبة المفضلة التي تعدها العديد من الدوائر السياسة والاقتصادية حول العالم من أجل اختراق الدفاعات الطبيعية لدى الفرد من أجل الوصول إلى ضفادع مسلوقة، أقصد أفراداً مبرمجين على الوضع الجديد.
يبدو أن واقع التغيرات المبرمجة في هذه الجزيرة الصغيرة ليست بمنأى عن الوصفة “العالمية”، ولكل طبق نكهته الخاصة حسب البلد والبهارات المطلوبة وطريقة التقديم.

تمثّل التغيرات في الملف الاقتصادي على الساحة المحلية درجات الحرارة المتدرجة التي تجتاز “آليات الدفاع الطبيعية” للمواطن، وذلك نتيجة تراكم القرارات والسياسات التي تواصل في “تخدير” المواطن، وبالتالي تعدّى خطوط دفاعاته الأساسية وتنتقل إلى مرحلة متقدمة من التغيرات لتصل إلى مرحلة “السلق”.

ولئن كانت التغيرات أمرٌ لا بد منه والحركة شيء طبيعي ومن “ألف باء” التحولات العالمية، إلا أن السؤال هو في أي اتجاه نتحرّك وأي تغيير نريد؟؟

القرارات المعيشية التي لا تراعي معادلة رياضية بسيطة تتمثل في جمع إيرادات الدولة وقسمتها من أجل وضع معيشي مستقر يتناسب مع دولة نفطية وصاحبة “الثقب الأسود” في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة FDI. تلك القرارات تمثل إنتقالاً لدرجات حرارة مرتفعة بالتدرج، وهكذا تصبح التغيرات المعيشية جزء من حركة تراكمية لا نعي خطواتها المتتابعة؛ لأنها تأتي على فترات متدرجة، لنكون مثل الضفدع الذي يتصور أنه في حمام معدني فاخر في حين أن الغلي والسلق هو ما سيحصل عليه في النهاية.

ومن الملفات التي ترفع درجة الحرارة و”تُبرمج” المواطن ليكون في وضع “لا بد منه” هي الملفات التالية:
-أزمة السكن وشحة الأراضي.
التمييز الوظيفي.
البطالة المقننة.
ارتفاع الكلفة المعيشية.
تدمير البيئة ومصادرة الأراضي.
التجنيس خارج إطار القانون.

فضلاً عن ملفات محرمة أخرى لا يجوز الحديث عنها بسبب وجود سياج قانوني يمنع الاقتراب أو تناولها بموضوعية.

كل تلك الملفات التي تعني بالشأن الحقوقي والمعيشي للمواطن باتت “مبرمجة” لدرجة أنه لا يشعر بالتغيرات التدريجية الحاصلة في نمطه المعيشي اليومي.
وتبعات ذلك تتمثل في “إنشغال” المواطن في لقمة العيش وتوفير المستوى المعيشي له ولأهله، في حين تتسابق بقية المجتمعات الجارة والبعيدة في التطوير المعرفي والعلمي والاقتصادي الذي ينعكس على المستوى المعيشي للمواطن.

ويتمثّل العلاج في أهمية إدراك التغيرات ولو كانت طفيفة والتعامل معها معالجة لا تسلمياً وتحليلاً لا عرضاً، وتأتي المعالجة من خلال توفير صمامات الأمان ودعمها، والمتمثلة في التالي:
أولاً: مساحة التحرك البرلماني الضامن للحد من ارتفاع درجة حرارة الغليان، عبر تشريع القوانين والحد من حركة التغيرات المتسارعة السلبية.
ثانياً: القيادات الشعبية والجمعيات وهيئات المجتمع المدني الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية، والتي تمثل مشاركة فعلية في صياغة ملامح التغيرات في المجتمع.
ثالثاً: الوعي الشعبي بالمتغيرات وضرورة وضع آليات من قبل الجهات الثلاث الأولى بما يتناسب مع درجة التفاعل الشعبي ووضعه.

يبدو أن ارتفاع درجات الحرارة المتسارعة أظهرتها مؤسسة «كارنيجي» الأميركية ومؤسسة «فرايد» الإسبانية حول وجود التمييز في البحرين، وهو ما أنكرته بعض الكتل النيابية المنتخبة من الشعب!

ومع ارتفاع درجات الحرارة الحالية في الملفات المعيشية، لا ينفع الضفدع أن يكون الإناء الذي هو فيه مصنوع من ذهب أو فضة، ما دام سيتم سلقه في النهاية.

Leave a Reply