افتحوا الحنفية

افتحوا الحنفية
جعفر حمزة

تصميم داخلي حديث، ونظام إلكتروني للإنتظار وشاشات مسطحة “إل سي دي” تعرض المشاريع الإسكانية التي “رسمت الابتسامة” على وجوه “الآلاف” من المواطنين، ولفت إنتباهي أثناء مشاهدتي تلك “الإنجازات” تعليق أحد الشباب الذين ينتظرون دورهم بالقول: (هذا في البحرين؟)، ولم أعرف ما الذي كان يقصده، أكان سؤاله “تعجباً” أم “تهكماً”، وفي كلتا الحالتين يحق له ولغيره السؤال عن أزمة ما زالت قائمة وتلقي بتبعاتها على جميع فئات الشعب، وهي الأزمة الإسكانية “الخانقة” والتي تتم معالجتها أو الحديث عنها بنظام ” التقطير البطيء”!
وما لفت إنتباهي بين الديكور والشاشات والتصميم الحديث في قسم المراجعين للطلبات الإسكانية هو “تنهّد” رجل كهل لم يستطع رؤية الرقم الظاهر على شاشات الإنتظار، وكان ممسكاً بيد ترتعش رقماً وأظنه 221، على أمل الحصول على وحدة سكنية طال انتظاره لها لـ 20 عاماً أو أكثر، وقد عرفتُ ذلك منه عندما سألته ما هو طلبك. وأظنه تمنّى أن لا يكون انتظاره كبيراً كما هو حال رقمه.
وكان إلى جانبي شاب بادرته بالسؤال عن طلبه، فقال إنه مضى على طلبه 4 سنوات للحصول على وحدة سكنية، وعندها ابتسم الرجل الكهل وكأنه تذكر أيام شبابه في السنوات الأولى بانتظار الفرج، وقال للشاب “توها الناس يا ولدي، لحد اللحين إنت ما انتظرت بعد”.
ولم يكن سؤالي للكهل والشاب إلا مجرد الدخول في حفرة الأرنب كما يقولون لأسمع حكايات تفوز بجوائز الأوسكار في الدراما والقصص الواقعية.
يبدو أن الحسابات الرياضية تتوقف عند الحديث عن بُنية أساسية في توفير “العيش الكريم” للمواطن البحريني متمثلاً في سكن ملائم، فالدولة نفطية وبدأت باستقطاب رؤوس أموال ضخمة من حول العالم، حتى باتت “قبلة” الاستثمارات في المنطقة مع مدينة “دبي”، فضلاً عن “تدفق” لا ينقطع من المشاريع في شتى المجالات، ومع الزيادة الحاصلة في سعر برميل النفط حول العالم، تزداد قائمة “المدخولات” للدولة بشكل كبير جداً في قبال نقص و”شح” لا يمكن إغفاله في البُنية التحتية فضلاً عن الخدمات والمبادرات التنموية الأخرى التي من المفترض أن تكون “ألف” التنمية قبل “يائها”.
إن ما يشكل نمط الحركة في المجتمعات الحديثة هو مستوى الوعي بالحقوق الأصيلة مع قليل من المنطق الرياضي البسيط، وما تعدد الاعتصامات المطالبة بوحدات سكنية في هذه المنطقة أو تلك إلا دليل على ذلك، ولضمان وجود الزخم المالي والجاذب للاستثمارات في البحرين ينبغي إشباع هرم “ماسلو” المتمثل في “الأمن والسكن والعمل”، تلك الثلاثية الذهبية التي تمثل الثقب الأسود لكل تطور وازدهار في أي مجتمع، لتنطلق بعده الإبداعات والتميز من خلال الاستثمار البشري وهو رأس المال الأساس في هذا العالم.
لا تعاني البحرين من قلة الأراضي، وإذا أردت الدليل عليك بمحرك البحث “جوجل إيرث” لتعرف حجم الأراضي “المُشاعة” و”المحرمة” أو “الخاصة” و”العامة”.
ما نمر به من تحول عمراني يلقي تبعاته السلبية على بقية رئاتنا الطبيعية من مساحة خضراء وبحر وسواحل، لم تضق أرض البحرين بما رحبت،لكن البعض “حجز” مساحته في الداخل وأراد أن “يتمغّط” خارج بر البحرين على حساب البيئة والناس.
نؤمن بأنه يمكن وضع البحرين في قلوب أهلها قبل وضعها على خارطة العالم من خلال “فتح” حنفيات التدفق المالي، وخصوصاً بعد ارتفاع أسعار النفط لتتم المشاركة الحقيقية عبر سيناريو عملي يشعر بل ويعيش معه كل بحريني أصيل.
ونؤمن أيضاً أن “حنفية” كل بحريني يجب أن تكون مفتوحة عندما يريد ذلك، ليكون من ضمن معادلة تنموية حقيقية يجهد ويعمل ويبدع لبحرينه.
إن افتقاد قاعدة هرم “ماسلو” من سكن وعمل لن يبلغنا القمة، وما يترتب عليه ذلك من فقدان الاتزان المطلوب لأي مجتمع يريد النهوض والتطور.
ومن المعقول جداً أن يتم “فتح” الحنفيات على مساحات تغطي طلبات الإسكان، ليمكن الحديث عندئذ عن ملفات قريبة من قمة الهرم.
ما زالت نظرات ذلك الرجل الكهل في مخيلتي، فهل يأتي اليوم الذي يظفر ابن العشرين أو الثلاثين بمنزل دون أن يكون يبلغ عمر الديناصورات، ربما في عام 2030!

Leave a Reply