غريبان في المدينة

غريبان في المدينة
قراءة نقدية لواقع حملات التوعية للنظافة

جعفر حمزة

لم أشأ أن أرفع طرفي لها، فهي كغيرها ممن ركبت الموجة وسايرت وتابعت تلك “الموضة” في الظهور والتقديم، فقد رأيت مثلها من قبل، إلا أن تمنّعي من النظر لها قد ضعف لا لألوانها المختلفة التي وضعتها، بل للشكل الذي ظهرت عليه، مما جعل تفكيري يتوقف للحظات لأنظر لها تأمل فاحص باحث لا متقرب عابث.
وأدركت حينها أن هناك خللاًَ بينّاً فيما قدمته عن نفسها، وقد تأبطت أعمدة الإنارة والتصقت بشاحنات كبيرة وامتدت أذرعها عبر المواقع الاجتماعية المختلفة، فضلاً عن تدشين موقع إلكتروني خاص بها.
فمن هي تلك التي أتحدث عنها؟
إنها الحملة الإعلانية ل”سمير وعزوز” التي دشنتها شركة خدمات “سفينكس” بالتعاون مع بلديتي المنطقتين الوسطى والجنوبية، بغرض رفع مستوى التوعية البيئي فيما يتعلق برمي النفايات في مكانها الصحيح.

مالي ولسمير وعزوز؟

فما الجديد أو المستغرب في “سمير وعزوز” الذي يُوقف النظر وتستدعي الكتابة حولهما؟

أصبح استخدام الشخصيات الكرتونية “موجة” يركبها البعض لإيصال رسائله المتنوعة، وخصوصاً تلك التي تتعلق بالترفيه أو التوعية البيئية خصوصاً.
فهناك نماذج تتحرك ضمن نفس دائرة التنفيذ عندما يتعلق الأمر باستخدام شخصيات كرتونية بهدف التوعية، فهناك “سامي” الشخصية الكرتونية التي قدمتها المحافظة الشمالية ضمن حملة “ارتقاء” في تدشين “نظام رصد مؤشر النظافة”، فضلاً عن استخدام شخصيات كرتونية من قبل ضمن نفس الحملة في موسم عاشوراء بتقديم عائلة من الشخصيات الكرتونية، وهناك “راشد” الشخصية الكرتونية الجديدة التي تقدم الإرشادات البيئية المختلفة.
وعوداً إلى صاحبينا “سمير وعزوز” لنرى إن كانا مختلفين حقاً ليستحقا هذا الوقوف والتحليل، ونحن نتحدث عن خطاب توعوي بيئي يخاطب فئات مختلفة وأدوات الخطاب يجب أن تكون لها خصوصية وابتكار بدرجة ملموسة.
فعندما تنظر إلى الشخصيتين في الإعلان تخال أنك ترى “حيوانين”، يبدو أحدهما له أنف خنزير وهو “سمير” والآخر له أذني “قط” أو كلب وهو “عزوز”. ولا تخطأ العين ذلك من أول مرة، ولكون الكاتب يعمل في مجال الإعلان والتسويق، آثرت إلا أن أسأل أكثر من شخص، فكان الرد واحداً، بل لم أكمل سؤالي للبعض شخصياً حتى تلقيت اتصالاً من أحد الأخوان ليخبرني بملاحظاته على “الخنزير” الموجود في الإعلان!

مرآة مطلوبة للشخصيتين

وهناك ملاحظات كثيرة على الشخصيتين، من ضمنها التالي:

أولاً: وجهي “سمير وعزوز”، فسمير بأنف خنزير وشعر “سبايكي” بنفسجي اللون و”عزوز” بأذن قط أو ربما كلب عند ملاحظة طريقة رسم ذقنه. وكأننا نشاهد أحد مسلسلات قناة “كرتون نيتوورك” الأمريكية.

ثانياً: مظهرهما الخارجي، فسمير يرفع أحد طرفي بنطلونه للأعلى في حركة تذكرنا بالشباب “الصايع”، كما ذكرت لي إحدى الأخوات عندما نظرت لهذه الشخصية. والآخر يضع نظارة سوداء في إخفاء لوجهه، في حركة غربية واضحة في تقديم الشخصية.

ثالثاً: اللباس العام الذي يقدم الأنموذج الكرتوني الأمريكي بوضوح.

رابعاً: الحوار العام الدائر بين “سمير وعزوز” في إعلانات الطرق، يفتقد للفكرة والقصة. عندما يسأل سمير عزوزاً عن ما يفعله قبل أن ينام، فيجيب عزوز بأنه يجلس مع الأصدقاء، فيرد عليه سمير بأن يضع القمامة في الحاوية قبل أن ينام، وينصحه بالقول “خلك كووول”.
ليس هناك ترابط في الحوار، فضلاً عن غياب الفكرة فيه..فما الذي يجعل وضع النفاية في القمامة قيمة “كوووولية”-إن صح التعبير؟
هناك نقص في الحوار وغياب للفكرة ولصق “الكوولية” في المسألة دون رابط أو مقدمة.

وهدف الحملة لا غبار عليه في رفع مستوى الوعي بالنظافة، إلا أن السؤال يدور في التوظيف السليم لأدوات الاتصال المقدمة في الحملة، ونتحدث هنا عن الشخصيتين البطلتين في الحملة “سمير وعزوز”، ويبدو أن القائمين على الحملة قد وضعوا أنفسهم مكاناً علياً بتوصيف غير دقيق للحملة، فضلاً عن تقديم الحملة يفتقد لمؤشرات النجاح الفعلية.
فقد علق السيد عبدالعزيز زينل المدير العام لشركة خدمات “سفينكس” على الحملة بالقول “نحن على ثقة بأن الحملة الحالية التي نقوم بتنفيذها ستحقق نجاحاً باهراً، لأننا استخدمنا نموذجاً فريداً إلى حد ما في تعزيز مستوى التوعية وتشجيع الجمهور على المشاركة والتعاون مع جهودنا”
ربط النجاح “الباهر” بتقديم شخصية يُدعّى لها التفرد أمر فيه مبالغة ويفتقد للطرح العلمي، فعند الحديث عن “النموذج الفريد”، فإن استخدام الشخصية الكرتونية أصبح موجة ركبها الكثير ممن يروّج للتوعية البيئية خصوصاً، من المحافظة الشمالية إلى المحرق، والآن وصولاً إلى البلديتين الوسطى والجنوبية. فبالتالي ليست هناك فرادة في الطرح. والطريف في الأمر أن ذات الشركة “سفينكس” لها حملة مع المحافظة الشمالية ضمن “ارتقاء” بتقديم الشخصية الكرتونية “سامي”. فهل استخدام الشخصية الكرتونية فيه تفرد، بالرغم من وجوده في ذات الفترة في حملة”ارتقاء”؟

روح بحرينية بصورة غربية

ومع كل تلك الملاحظات المذكورة حول الشخصيين، لا يبدو من الإنصاف سحب الشخصيتين ووصمها بأن لديهما روحاً بحرينية في جوهرهما، وذلك ما أشار إليه بيان خدمات “سفينكس” حول الحملة الإعلانية لسمير وعزوز بتاريخ ١٩ مايو ٢٠١٠، إذ ذكر الخبر الصحفي التالي “وتعتبر روح الحلقات الكرتونية بحرينية في جوهرها”، وهذه نقطة البيع الفريدة لحملة التوعية”.
يبدو أن هناك لبساً واضحاً أو غياباً ملموساً لإيصال رسالة الحملة عبر تلكما الشخصيتين، فوصفهما بأن لديهما روحاً بحرينية بعيد عن الواقع بالنظر لهما، وإن كان ذلك هو نقطة البيع الفريدة
USP
للحملة، فإننا نعتقد بأن الحملة تتخبط في تقديم نفسها بناء على هذا الافتراض المبالغ فيه.
فأي روح بحرينية في الجوهر نتحدث عنه هنا؟ أفي مظهر الشخصيتين اللتين تشبهان حيوانين بجسد إنسان؟ أم في طريقة الحوار و”الكووول” المعروضة جبراً في الكلام دون داع لها؟ أم في ملبس الشخصيتين؟ لا ندري!

عناصر غابت وأمور حضرت

إن ما يهدف إليه أي إعلان هو إيصال رسالة في المقام الأول مع مراعاة الوسيلة المستخدمة والفئة المستهدفة والفكرة الكبرى لها
Big Idea
، لتضمن تجاوباً متوقعاً من الفئة المستهدفة للوصول إلى الهدف المعلن من الحملة. وقد ترتقي بعض الحملات الإعلانية درجة أو درجات لتلقي تفاعلاً حركياً، ينعكس على سلوك مجتمع بأكبره إزاء قضية أو موضوع بعينه.

وفي حملة “سمير وعزوز” تغيب عناصر أساسية من الخطاب المكون للإعلان الناجح، والذي قد يرتد بصورة عكسية على الهدف الأساس من الحملة نفسها. فما هي تلك العناصر الغائبة؟

الفكرة الكبرى
Big Idea
تمثل الفكرة الكبرى في التواصل الإعلاني الحمض النووي المؤسس لفكرة أي حملة بغض النظر عن فئتها المستهدفة ورسالتها، فهي-أي الفكرة الكبرى- تشكل القاطرة التي تقدم جميع الأفكار التفاعلية والإبداعية من تحتها، وهي المظلة الجامعة للحملة الإعلانية، لتضمن نسقيتها ووحدة لغتها في التواصل مع الآخر.وعند “سمير وعزوز” تغيب الفكرة الكبرى من الحضور، فوضع النفايات في الحاوية ليس هي معقل الفرس كما يقولون، بل هي في دافع وكيفية ونتائج وضع النفاية في الحاوية، وهو ما يفتقده الإعلان الموضوع للحملة. ليست هناك قيمة تفاعلية جديدة يمكن الاتكال عليها في عملية التواصل التسويقي مع الجمهور المستهدف. فوضع النفاية في الحاوية أمر مطلوب وصحي، لكن طريقة إيصال هذا السلوك لم يكُ موفقاً وناجعاً في الإعلان الموضوع، وخصوصاً إعلانات الطرق.
هناك نقطة يمكن استثمارها من أجل صالح هذه الحملة لتصل إلى أهدافها -أن غضضنا الطرف بصعوبة عن مظهر الشخصيتين الغريبتين وهما أساس الحملة-، وتلك النقطة هي استغلال فكرة “احذروا وحش النفايات” التي حصرتها الحملة في الإعلان التلفزيوني فقط، والذي يمكن أن تتحول إلى الفكرة الكبرى، من خلال كونها تعرض مشكلة رمي النفايات وتصاعد في المشكلة لتتحول إلى وحش، وحل المشكلة بوجود وعي وتعاون من “سمير وعزوز”، ووصولاً إلى نتيجة وهو خلو الشوارع والطرقات من النفايات.

الفئة المستهدفة
Target
ما الفئة المستهدف من الحملة الإعلانية؟
الجميع، والتركيز على إظهار الشخصية الكرتونية في الواجهة، كون اليافعين والشباب هم الفئة التي يمكنها أن تحدث التغيير وتبدأ به.
وفي مثل هذه الحالة نلحظ التوجه العام ضمن الخطاب التوعوي البيئي كيف يتم استخدام الشخصيات الكرتونية من أجل إيصال التوعية البيئية من قبيل سامي وراشد والعائلة ضمن حملة ارتقاء في موسم عاشوراء.
وفي مثل هذه الحالة، لا بد من مراعاة تقديم الشخصية في تفاصيلها، مظهراً وكلاماً وملبساً، بحيث تكون قريبة من الجمهور المستهدف من الحملة.
ولئن كان “المرح والحس السليم” قد تم استخدامهما في الحملة كما تذكر الشركة في خبرها الصحفي السابق، فإننا نرى أن ذلك قد تم خبزهما في فرن أجنبي، سواء من ناحية الحوار أو الأحداث، وذلك بعيد عن “روح الحلقات الكرتونية، وهي بحرينية في جوهرها” كما أشارت الشركة في خبرها أيضاً.

توظيف الوسيلة

إن استخدام وسائط التفاعل الاجتماعية عبر الإنترنت أصبح مطلوباً ومرغوباً، من قبيل “الفيس بوك، واليوتيوب وتويتر. ومع وجود هذه الموجة الجديدة من التوظيف الكرتوني في حملات التوعية، فإنه بالإمكان قياس مؤشر التفاعل مع هذا النوع من الحملات من خلال قراءة متأنية لردود الفعل والتعليقات على الحملات من الجمهور المستهدف والمختصين. وهي فرصة عملية ممتازة لتقييم العمل وتطويره. وقد كان هذا الأمر غائباً في السابق، أو كان محدود الوسائط.
ومثل هذه المواقع تشكل نوافذ لتطوير الرسائل الموجهة من الفكرة والوسيلة، وعلى وكالات الإعلان كما على الشركات توجيه الاهتمام إلى ذلك بدلاً من هاجس “الإنتشار غير المدروس” والذي تحول إلى “موضة” يتبعها الكل دون التوظيف العملي للتقييم من خلالها.
ويُعتبر الموقع الإلكتروني لأي حملة إعلانية توعوية أساسياً كقناة تعريفية أولاً وتفاعلياً ثانياً. وبالرجوع إلى صاحبينا “سمير وعزوز”، فإن الموقع الإلكتروني لهما وهو
www.sameerandazooz.org
يكمل مسيرة “الضعف في تواصل الحملة”، وذلك من خلال وصف الموقع بأنه موقع تفاعلي، في حين أنه يفتقد لذلك، سواء من خلال غياب أساسيات مهمة فيه، وهو عدم وجود الموقع باللغة العربية أصلاً- لحد كتابة هذه السطور. أليس السواد الأعظم من الجمهور المستهدف هم الناطقين بالعربية أكانوا مواطنون أو مقيمين؟
، وبالرجوع إلى تعريف الموقع التفاعلي، فهو الموقع الذي يسمح لزواره بالتواصل معه، ويمكن للزوار اتخاذ خطوات فعلية في محتوى الموقع. على سبيل المثال يسمح الموقع للزوار باللعب ضمن الموقع وتحريك أشياء فيه.
المصدر
http://wiki.answers.com/Q/What_is_an_interactive_web_page

وضمن مقارنة بسيطة بين “سمير وعزوز” و”سامي” في موقعيهما الإلكتروني، نلاحظ أن موقع “سامي”
www.afkarsami.com
يحقق معنى “الموقع التفاعلي” أكثر من غيره، من خلال الألعاب والأفكار الأخرى التي يقدمها الموقع.
إن المسألة تأخذ عمقاً حقيقاً عند الحديث عن رسائل التوعية الموجهة للمجتمع، وخصوصاً عند استخدام الشخصيات الكرتونة، التي تعتبر مكسباً

وما التحليل أو الطرح مقدم هنا إلا قراءة تحليلية لحملة بعينها، تحوي ملاحظات قد يتفق أو يختلف البعض حولها، إلا أن المهم هو أن ما يُوضع في العلن له متابعين ونقاد، على أصحاب الشأن المعني قرائتها بتأن وحرفية للتطوير في الخطاب والوسيلة.

“سمير وعزوز” ليس الأمر شخصياً عنكما، إلا أن شد الإنتباه والتفاعل وإيصال الرسالة بطريقة مبتكرة تحتاج أكثر من ألوانكما وطريقة إخراجكما، وما يدور بينكما، فعفواً

ملاحظة:
سيتم نشر الموضوع في “أسواق” الأحد القادم، وتم نشره هنا تزامناً مع الحملة قبل انتهائها

Leave a Reply