هذا الانجراف حتى الانغماس في أدوات الذكاء الاصطناعي أدخلنا في هوس محموم، يجعلنا نتسابق على الاستخدام ووقعنا في متلازمة الخشية من فوات الأمور
FOMO
. ويبدو أن هذا سلوك يُراد أن يكون ملازماً لطبيعة ما نعيشه من سرعة التطورات. مع ذلك، علينا تذكر التالي:
. أصالة العمل تبقى هي ما يميز فرد عن غيره، وبصورة أكبر عندما لا تكون مشتركات في استخدام الأدوات ذاتها، ومع استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، تظل البصمة الفردية موجودة في طريقة صناعة الأنماط الخاصة بالفرد
Personal Patterns
، لكن نتيجة تعميم هندسة الأوامر نرى بعض التشابهات التي تفقد فردانية المحتوى، وربما هذه البدايات وهذه طبيعتها وستكون الفروقات أكثر مع تعدد الأدوات وتفاصيل الأوامر وطريقة العرض، بل حتى صيغة الدمج بين الذكاء واللمسة الفردية
Hybrid
. الجاذبية للذكاء الاصطناعي متوقعة، كونها توفر الجهد، وتُحضر المتخيّل. والعقل البشري ميال للحلول التي توفر له الطاقة، وهنا يكون دور العقل الفردي في انتخاب ما هو أجدى له وليس ما هو أسهل له، وشتان بين الإثنين
. لماذا تكون معادلتنا إما صفر أو واحد، حيث يمكننا صنع معادلة ثنائية بذات الوقت، أي صفر وواحد. شخصياً عندما استخدم الذكاء الاصطناعي افتح مجالاً للنقاش بل والجدال معه في كثير من الأحيان، وهذا يدفعني للبحث أكثر والقراءة أكثر، حتى أصل لصيغة أكون فيها مدير الفكرة ومشرفها بل ومنفذ جزء منها، في حين الذكاء الاصطناعي يكون المساعد في التفكير والتنفيذ. إن مسك العصا من النص ليس بالسهل طبعاً، لكن الأمر يستحق لتكوين بصمتك الخاصة
. من المهم الانعزال عن الذكاء الاصطناعي فترة، كأنك تقوم بدورة تدريبية في معسكر بمعزل عن المدينة ليشتد عودك وتصفي ذهنك، ففي ذلك منفعة لتثبيت استقلاليتك والأمر الآخر شحذ لمهاراتك بعيداً عن “الطيار الآلي” الذي تركن إليه، وهو الذكاء الاصطناعي لدى كثير منا.
المهم أن تجد معادلتك الخاصة التي تحتفظ فيها بشخصيتك في التكفير والنقد والتحليل، مع مزج خاص “خلطتك السرية” مع أدوات الذكاء الاصطناعي، وهنا تصل لمرحلة تميز تعطيك القدرة على التحليل وصناعة المحتوى والاستمرار فيه بل والتحسين المستمر.
ما نحتاجه هو تعزيز مفهوم تقبل ما نحن عليه دون مثالية نستند فيها على الذكاء الاصطناعي لإخفاء تلك المزايا الشخصية فينا، والتي نعتبرها نقصاً، ففي ذلك النقص جمال يميزنا عن البقية.
ويحضرني هنا مفهوم ياباني جميل اسمه كينتسوغي
(Kintsugi – 金継ぎ)
وهو فن ياباني تقليدي لإصلاح القطع الخزفية المكسورة باستخدام خليط من الورنيش المُطعَّم بمسحوق الذهب أو الفضة أو البلاتين، حيث لا يُخفى الكسر، بل يُبرَز ويُحتفى به.
فبدلاً من محاولة إخفاء العيوب، يُحوّل الكسر إلى جزء من تاريخ القطعة وقيمتها الجمالية.
ورسالة الأمر فيه تعني: القبول، ومعرفة أن الجمال بالنقصان، والاستمرارية، حتى مع النقص.
وهناك اقتباس ملهم عن هذا المفهوم
: ”Rather than hiding the cracks, we highlight them — not to glorify the break, but to honor the survival.”
“بدلاً من إحفاء العيوب، علينا تقديمها لا للاحتفاء بها، وإنما لتذكرنا يما يمكننا التغلب عليه”
هذه العفوية التي تميزنا عن البقية هي البصمة التي لا يمكن أن نفقدها مع بريق ما نراه من ذكاء اصطناعي.
ومن الجيد الاحتفاظ بذلك الخيط الخاص بك وإن تعددت الخرزات، لأن السبحة ستكون باسمك لا سواك.

Leave a Reply