جعفر حمزة
التجارية ٢٧ فبراير ٢٠٠٨
لم تكن الأموال ولا المسافات تُبعدني عنها، فهي لم تغيّر هويتها ولا اسمها، بل احتفظت به طوال تلك السنين، وقد أحببتها وعشتُ معها، ولا مانع لدي أن أعيش السنوات القادمة معها، ما دامت محتفظة بقلبي عندها.
لقد تخطيت مثيلاتها بألوانهنّ البراقة وبأسمائهنّ الفاتنة، ولم يكن قلبي يميل إلا لسواها، فاقتربت منها ومددتُ يدي لآخذها لتكون بقربي في….. سلة الشراء.
فقد كانت تلك الماركة محبوبتي على الدوام، وعلاقتي معها ليست بالقصيرة لأتخلّى عنها بسهولة.
تلك العلاقة الودية بين الفرد والماركة التجارية مستمرة يومياً، فعندما نذهب للشراء ، فإننا نستقبل آلاف الماركات التجارية، ومن بين ذلك الكم الضخم منها، فإننا قد نبحث عن السعر، أو الجودة أو الاسم، وكل ذلك صور من الحب، في التوفير والصحة والضمان والعلاقة والإرتباط والذاكرة، وكلها تؤدي إلى صياغة سلوك الشراء لدى الفرد، وبالتالي تتحرك المنتجات من على الرفوف لتذهب وتأتي أخرى مكانها، وهكذا تتم عملية التصنيع من جديد، وتستمر دائرة الإنتاج والإستهلاك بناء على تلك العلاقة الودية بين الفرد والماركة التجارية.
وبناء تلك العلاقة الودية فضلاً عن الإحتفاظ بها ليس بالأمر السهل في ظل تنافسية شديدة على قلب هذا الفرد المستهلك، حيث يتم اتباع كل الوسائل الشرعية وحتى غير الشرعية أحياناً للظفر بقلب هذا الفرد، ليكون “متيّماً” بحب هذه الماركة أو تلك، لا لضمان دفعه لقيمتها فقط، بل للإرتباط بها زواجاً دائماً. وهي العلاقة التي يحب أن يطلق عليها المدير التنفيذي لشركة “Saatchi & Saatchi” السيد “Kevin Roberts” بما يسميها بــ”Lovemarks”، والتي تمثّل الإستراتيجية الجديدة في التسويق وصناعة الإعلان الحديث، وقد ألّف كتاباً يحمل الإسم ذاته.
حيث يمثّل “الحب” النقلة الحديثة لرسم العلاقة بين الفرد والماركة، فقد بات الأمر أكثر من مجرد شراء الفرد للمنتج أو استعمال الخدمة، فهناك علاقة متواصلة يكون فيها الشراء والإستعمال إحدى صور “الإعجاب” و”الحب” بينهما، وليست كل العلاقة.
وما يقوم بخلق تلك العلاقة هو التعاون بين الشركة صاحبة الماركة التجارية ووكالة الإعلان، علاقة لا يمكن أن تحضر الماركة لوحدها، كما لا يمكن بغيابها أن يكون الإبداع وحده، وبالتالي يكون مدار الحديث في صناعة الإعلان الحديث هو عن علاقة التفاهم بين صانعي الحب وهما الشركة صاحبة الماركة التجارية ووكالة الإعلان، حيث كلما كانت العلاقة بينهما وطيدة ومبنية على التفاهم والأخذ والرد الإيجابيين والمنتجين، كلما تناسقت الأفكار الوليدة وباتت أكثر قرباً، وبالتالي تبدأ بذرة “الحب” للماركة بالنمو والظهور.
وعند الحديث عن تلك العلاقة في السوق المحلية نرى أن مفهوم الحب أصبح غائباً وضعيفاً ويصل إلى مرحلة الملل في كثير من الأحيان، وذلك بسبب غياب آلية الخطاب والبحث عن “قلب” المستهلك الفرد والمتمثلة فيما يسمونه بالـــ”Insight” لدى الفئة المستهدفة من خطاب “الحب”. حيث تغيب عن الكثير من الشركات ووكالات الإعلان معاً.
هناك الكثير من الماركات التجارية العالمية التي أخذت مساحة ملفتة من قلوب “المحبين” المستهلكين، وهي تتمتّع باستمرارية بذلك الحضور نتيجة خطة إعلامية لا ترتكز على الحضور الفعلي للمنتج أو الخدمة فحسب، بل على تأصيل علاقة حياتية تتقمصها الماركة التجارية ويكون جزءً من هويتها، وبالتالي يكون إستذكارها لدى الفرد سهلاً ودائماً في حياته اليومية، سواء للمنتجات ذات القيمة المادية البسيطة كالمشروبات الغازية والعصائر والمواد الغذائية الأخرى، أو المنتجات ذات القيمة المادية المرتفعة كالسيارات والكاميرات، أو ما يُطلق على الأولى بـ”Low involvement products ” و على الثانية بـ”
High involvement products”
في عالم التسويق والتجارة.
وتأخذ الكثير من الماركات التجارية العالمية المعروفة من فلسفة الحياة هوية لها وسبيلاً للحضور المكثف، فما دامت القاعدة التسويقية للمنتج أو الخدمة مستنداً على مفهوم أو فكرة من قلب حباتنا اليومية، فسيكون حضورها المتكرر تحصيل حاصل، وبالتالي تضمن وجودها وبقائها المتجدد بالقرب من الفرد، منها على سبيل المثال “Nike” والتي اتخذت شعار “Just Do It”وشركة “Apple” بشعارها “Think Different”.
إنّ العلامة التي تفوز في موقفين مهمين، هي العلامة التي تضمن ظهورها وحضورها وبقائها تصنيعاً وترويجاً، “إن أفضل الماركات هي التي تفوز في لحظتي الحقيقة. أولها من على الرف، حين يختار المستهلك أي ماركة يريد. والثانية في المنزل، عندما يستخدم الفرد الماركة ويتمتّع بها”. A.G. Lafley، المدير والرئيس التنفيذي لشركة “Procter & Gamble” العالمية.
فماذا عن الماركات العربية؟، فالعلاقة التفاعلية بين الماركة والفرد تأتي من خلال ثلاث دوائر، هي جودة المنتج، والترويج الذكي، وتحوّل الماركة إلى نمط حياتي أو “أيقونة” “Brand to Icon”. ومع وجود التقنية الحديثة في متناول اليد إستيراداً وتصنيعاً، فإن الماركات العربية تتمتّع بالجودة والمستوى الرفيع، وبعضها دخل الدائرة الثانية في الترويج الذكي، إلا أن الدخول للدائرة الثالثة لم يتحقق بعد بصورة واضحة.
إلا أنّ ما يجعل من الماركات العربية والمحلية ذات قدرة كامنة للتميّز عن مثيلاتها العالمية، هي أن مباراة “الحب” والظفر بقلب المستهلك تجري بين “أرض” و”جمهور” الماركة المحلية، فضلاً عن وجود توجه عالمي للحديث مع الأسواق العربية والمسلمة، وذلك التوجه يأتي من شركات وكالات إعلان عالمية مثل شركة JWT الأم بأمريكا، ومن الأوراق التي قدمتها بهذا الخصوص ورقة موسموة بـ”Marketing to Muslims:U.S Study”. (١)
وليس الأمر بمستغرب إذا عرفنا أن أسواق البلدان المسلمة في العالم تمثل نسبة لا يُستهان بها من الإستهلاك العالمي، فضلاً عن التجمعات المسلمة في البلدان الغربية، وتمثل الأغذية الحلال حضوراً بارزاً في صناعة الأغذية. تقول مديرة معرض “الحلال العالمي” والذي عُقد في أبوظبي في ديسمبر الماضي، السيدة “كريستين ويفر”: ( يشكل سوق الأغذية الحلال حالياً ما مقداره 12% من التجارة العالمية في المنتجات الغذائية. ومن المتوقع أن يشكل المسلمون 30% من عدد سكان العالم في العام 2025، مما يعني أن أغذية الحلال ستشكل بسهولة 20% من التجارة العالمية في المنتجات الغذائية مستقبلاً). (٢)
وبناءً على كل تلك المعطيات، تكون فرصة حضور الماركات العربية، سواء في مجال الأطعمة وهي التي تأخذ نصيب الأسد أو في مجالات أخرى، لن يكون حضورها مطلوباً فحسب، بل تميزها في ظل منافسة من ماركات عالمية معروفة.
وستزداد حدة المنافسة بين الماركات العربية والغربية نتيجة عاملين مهمين، هما توافر التقنية وأدوات الترويج الحديثة لكليهما، حيث باتت في متناول اليد، ومع وجود وكالات إعلان ذات خبرة وتجربة، والعامل الثاني هو “المنافسة” على نفس “أرض الملعب”، أي في نفس البلدان العربية والمسلمة، وخصوصاً لتلك البلدان التي لديها اتفاقيات تجارة حرة مع البلدان الغربية، حيث ستكون أسواقها مفتوحة.
ومع ذلك سيكون للماركات العربية نقاط عديدة لصالحها، فأهل البيت أدرى بما فيه، ولا يكون ذلك إلا من خلال إنفتاح على الأفكار الجديدة في الوقت الذي تحافظ فيه على هويتها، وبتلك الثنائية، يمكن “خطف” القلوب من الرفوف، بل والإحتفاظ بها لسنوات عديدة، لأنها ببساطة تمثل جزءً من خوية وثقافة، وقوة الماركة في أنها تصبح ضمن منظومة السلوك الفكري والثقافي للفرد،وهو ما تملكه الماركات العربية وتفتقده مثيلاتها الغربية.
فهل يمكن بعد ذلك أن تمد يدك إليها بكل ثقة ولا شعورياً لتحتضن “ماركتك” العربية من على الرف؟
(١) www.jwtintelligence.com
(٢) www.arabianbusiness.com/