جعفر حمزة
أخذت تلاطفه في صورها ورائحتها، تقرّبت منه ولامست شهيته وتغنجّت باسمها، إلا أنّه امتنع وصد عنها لا لعيب فيها بل كان راغباً فيها إلا أن “العين بصيرة واليد قصيرة”، وبدلاً منها اقترب من أخرى أقل فتنة وأخذها بين يديه والتهمها وهو ينظر إلى الأولى حسرة لبعده عنها.
كانت الأولى هي شطيرة همبرجر معروف والثانية كانت مجرد “سمبوسة” اقتنع بها صاحبنا وأخذها لتُسكت جوعه الذي رضي أن تكون “السمبوسة” هي الــ Fast Food الخاص به.
وبين الهمبرجر والسمبوسة تغيرات اقتصادية ترسم سلوكيات جديدة للفرد وعلاقته بالمنتج أو العلامة التجارية، لتكون فترة “الطلاق الرجعي” قائمة بين المستهلك والمنتج، لحين عودة المياه إلى مجاريها، وكلما طالت فترة ذلك الطلاق كان الرجوع إليها صعباً، حيث يمكن أن تدخل علامات جديدة أو بديلة على الخط و”ترتبط” بالمستهلك، وهو ما يؤدي إلى دخول الأخيرة بقوة في الأسواق التي تعاني من الأزمات الاقتصادية وتشكّل علاقات “ود” جديدة مع المستهلك.
إلا أن المنتج البديل في زمن الأزمات لا يبدو الخيار الأوحد، ولا يمكن أن يعلن نفسه منتصراً، خصوصاً في مجتمعات عاشت وكونّت لها صورتها الخاصة في نمط المعيشة ومستوى الاستهلاك، كالمجتمع البحريني مثالاً، حيث يقع ضمن منظومة اقتصادية متشابهة نوعاً ما، وهي منظومة دول الخليج العربية، فالمستوى المعيشي والصورة النمطية لاستهلاك مواطني هذه الدول يختلف عن بقية البلدان العربية نتيجة اعتمادها على مصادر دخل ثرية كالنفط، فضلاً عن توجهها الحالي في بقية حقول المصادر المختلفة كالطاقة والصناعة والصيرفة الإسلامية والمشاريع العقارية وغيرها.
إن عملية الإنتقال ستكون صعبة من مستوى معيشي تمثل العلامات التجارية الصورة الأبرز في المجتمع إلى مستوى آخر تظهر فيه علامات “ضعيفة” وليس لديها حضور يعكس الصورة التي تناسب دولاً نفطية غنية كدول الخليج والبحرين خصوصاً، وعند الحديث عن المستوى المعيشي فإننا نعني جانبين مهمين، الأول مستوى المنتجات والخدمات الأساسية التي تتناسب طردياً مع حجم مدخول الدولة وانفتاح اقتصادها، فكلما زاد دخل الدولة انعكس على المستوى المعيش للمواطني وزادت رقعة الدعم الحكومي للمنتجات والخدمات للمواطنين، فضلاً عن تكوين قواعد جديدة للاقتصاد وإثراء التنوع في الدخل القومي.
والثاني مستوى عقلية الفرد المستهلك وتعامله مع العلامات التجارية كجزء من تركيبة سلوكه المعيشي.
إن التغيرات الاقتصادية تخلف “ثغرات” معيشية يؤثر على نمط الشراء للمنتجات، فضلاً عن نظرة الفرد للعلامات التجارية ذات المستوى المرتفع في السعر، ونتيجة لتلك التغيرات التي تمثّل تحدياً لطبيعة تفكير الفرد وعلاقته بالمنتجات والخدمات، فإن الآثار المترتبة على ذلك تتوسع من دائرة الإنفاق إلى دائرة إشباع التملك والظهور إلى دائرة التميز والتفرد، ومن تلك الآثار:
أولاً: التغيير في جدولة الإنفاق لدى المستهلك والبحث عن بدائل رخيصة الثمن مع الحفاظ قدر الإمكان على الجودة.
ثانياً: محاولة بعض العلامات التجارية الحفاظ على ظهورها وحضورها عبر العروض الخاصة.
ثالثاً: البحث عن بدائل شبيهه بالمنتج الذي يميل إليه المستهلك، وخصوصاً فيما يتعلق بمنتجات الألبسة والإكسسورارات.
رابعاً: تنامي سوق البضائع المقلدة وإثراء صناعة التقليد، وتبعاتها في الصحة والأمن على المستهلك.
وهناك العديد من الآثار المترتبة على إنخفاض معدل الدخل للفرد وطريقة التعايش مع وضع اقتصادي متأزم، إلا أن ما يثير الإنتباه هو تنامي حدة الصراع الداخلي بين الرغبة في امتلاك نمط معين من العلامات التجارية وبين واقع الميزانية التي لا تشجع على امتلاك تلك العلامات أو استخدامها، ويأتي ذلك الصراع ويشتد نتيجة الصور المُعلنة وربطها بمستوى معين من أسلوب العيش.
وخصوصاً في ظل تنانمي الفضائيات الموجهة والتخصصية التي تُثري الذاكرة البصرية للمشاهد لاقتناء هذه العلامة أو تلك.
فعندما تقتني إمرأة حقيبة من “Channel” فذلك يعكس نمط معيشتها والمستوى المعيشي الذي أتت منه، وقد لا تكون بالضرورة لديها المال الكافي لامتلاك تلك العلامة التجارية إلا أن الجو العام للتفكير في إظهار مستوى معيّن من المعيشة يدفعها لشراء تلك الحقيبة.
لقد أخذ الصراع بين المطلوب والموجود حدته لدى الكثير من الناس من ذوي الدخل المتوسط بل والضعيف، حيث يسعى البعض وربما الكثير في اقتناء علامات تجارية تحتاج لسيولة مالية جيدة، وقد يصل البعض إلى إغراق نفسه بالديون ليكون من ضمن الصورة “المحترمة” في المجتمع من خلال تلك المنتجات، ويذكرني هذا الأمر بأحد الأخوة الذي لا يبقى من راتبه إلا النزر القليل ويسكن في منزل أجار ولديه بنات في الروضة، حيث اتخذ قراره بشراء سيارة دفع رباعي من الوكالة ولديه سيارته الخاصة، وعجبي كيف سيعيش بعدها، ربما بأكل السمبوسة صباحاً وتناول النخج على العشاء!
وعلى المستهلك التعايش مع الأمر بخطوتين، هما التعامل مع الوضع الاقتصادي المتأزم بواقيعة بعيداً عن سحر صور العلامات التجارية وبريقها، ثانياً زيادة مستوى الدخل عبر تأمين مصادر مالية إضافية وادخارها وقت الحاجة.
ولا عيب أن تأكل السمبوسة بدلاً من الهمبرجر، فكلاهما يذهب للمعدة، ولله ال