الساعة المقدسة.. من يصمد كثيراً، يكسب أخيراً!

 

جعفر حمزة

BOXOBIA

 

 

 

 

 

 

“لديك ٣ شركات، و٤ أبناء، فضلاً عن تأليفك لأربعة كتب، كيف يمكنك القيام بذلك وخصوصا التأليف؟”

كان السؤال موجهاً لرائد أعمال أمريكي، وكنت أترقب جوابه ..

“إنها ساعتان باليوم فقط لا غير!!”

لم أستوعب حتى أكمل حديثه بالقول: “أضع ساعة بعيداً عن المشتتات بعد ذهاب أبنائي للنوم، وساعة مثلها قبل استيقاظهم.”

وبهاتين الساعتين يمكنه إنجاز الكثير، وهي تكفيه ليحقق ما يريد من تأليف، عبر التزام وصفاء ذهني وتركيز واستمرار.

إن أكثر ما يسرق وقتنا هو فتحنا لأبواب المشتتات من وسائل تواصل اجتماعي وعادة التصفح مما جعلنا نركن للإدمان عليها، وهو ما يفقدنا القدرة على تحقيق الرباعية التالية:

١. الالتزام .. بتخصيص وقت للأمور الثلاثة التي تليها

٢. الصفاء الذهني.. هو تمهيد الدخول لمرحلة التركيز

٣. التركيز .. هو قمة البذل في العمل، فلا شوائب ولا هوامش، فقط اللب هو المهم في هذه المرحلة

٤. الاستمرار .. هو ضمانة إكمال العمل

والرباعية سلسلة متكاملة تراتبية كفيلة إن عملنا بها أن نصل لمرحلة الإنجاز النوعي والكمي معاً، وهو ما يفتقده كثيرون منا بسبب

المشتتات وهي الهامش، والتي تقود متن حياتنا وقتاً وجهداً وتوجهاً، والعملية معكوسة رأساً على عقب بلا ريب.

ما نحتاجه فعلاً هو “الساعة المقدسة” أو ممكن أن أطلق عليها اختصاراً بالعربية “سامق” أي الشيء المرتفع، وهو دمج أول حرفين من ساعة و مقدسة.

قد يبدو الأمر صعباً بلحاظ حركة المشتتات واحتلالها لمساحات واسعة من أراضي وقتنا اليومية.

“أن أردت أن تُنجز لا بد من وقتك أن تحجز، ولا سبيل سواه.”

ومن تجربة شخصية مررت بها بالمرحلة الإعدادية وبدعم وتشجيع وتركيز من أستاذ اللغة العربية الأستاذ صادق الفردان بمدرسة الخليل بن أحمد، كان علي كتابة مقال واحد وبشكل يومي طوال العام الدراسي، وكان ذلك بمثابة عهد الطالب لمعلمه، وبرغم صعوبة المهمة إلا أنها أُنجزت وبنجاح تام، وكانت بمثابة “معسكر” لي في مجال الكتابة والتعبير.

وتم الأمر في وقت لم يكن الإنترنت حاضراً بعد، أما الآن فما يجرفنا عن التركيز الشيء الكثير وأولها ما يقع بين أيدينا ولا يغيب عنا لحظة، وهو الهاتف النقال. ومع ذلك فأمر السيطرة والتحكم بمتناول اليد عبر إغلاق خاصية التنبيهات وقبلها تشغيل مفتاح الإرادة فينا لننجز، ومع لحاظ كل ما نعيشه، فمن يعيش “سامق -الساعة المقدسة” هم قلة إلا أنهم هم محدثوا الأثر حتماً في زمانهم وما بعد زمانهم.

إن كمية “نزف الوقت” الذي نقدمه بالمجان لكل هذه المشتتات يأتي بشكل عجيب مع وفرة المعرفة ومجانية أغلبها، وبرغم التوقع الرياضي من زيادة حصيلة المعرفة بسبب المصادر المفتوحة لها، إلا أن الحصيلة الطاغية بلحاظ المخرجات المطروحة على السطح هي “الضحالة بالمحتوى”، بل وأصبحت لها “صناعة” قائمة بذاتها، ويتم ترويجها على شكل “منتجات” لها منصاتها الخاصة وجمهورها. وهذا العقل الجمعي المتدفق هو أحد روافد “المشتتات”، وما لم نغلق هذا الباب، سيكون جُلّ وقتنا مرهوناً بها دون نتاج يُذكر.

“سامق” هي العُملة الجديدة الكفيلة بزيادة رتم الإنتاج الذاتي والمجتمعي وتحويله بالتدرج لمجتمع يتمتع بقدرة الإنتاج والإبداع ومشاركة المعرفة والاستفادة منها، عوضاً عن هذا الهدر الذي يجرنا جراً إلى مساحات فارغة لا نتنج، بل وتضعف عضلات الفكر والوعي الذاتي فينا.

تذكّر تلك الرباعية جيداً، وأساسها وقود علينا توفيره باستمرار، وهي “الإرادة” الحقيقية للقيام بذلك، ليس غداً، بل الآن.

فهل أنت منقاد للمشتتات أو لك علو في “سامق”؟!

Leave a Reply