البحرين والأمن السيبراني: بين تقوية الجبهة الداخلية والحفاظ على السمعة
الخميس 02 أكتوبر 2025
جعفر حمزة – خبير استراتيجيات العلامة والتغيير المؤسسي
الدكتور علاء البحراني – رئيس إدارة عمليات الأمن السيبراني في بيت التمويل الكويتي – البحرين
مراجعة: أمين التاجر – الرئيس التنفيذي لشركة انفينيت وير للذكاء الاصطناعي
طالما شكّلت الهجمات السيبرانية والاحتيالات المالية هاجساً يقض مضجع أي دولة، فتأمين هذا الجانب لا يقل أهمية عن حماية الحدود والأمن الداخلي. فضعف منظومة الحماية الرقمية ينعكس مباشرة على الأمن الاقتصادي، مهدداً المواطن والمقيم والدولة.
إن تراجع مستوى التحصين السيبراني يعكس هشاشة البنية الرقمية للدولة، خصوصاً مع اعتمادها المتزايد على التكنولوجيا في المعاملات الحكومية والمالية. ويزداد الأمر خطورة عند استهداف القطاع المصرفي أو المصانع أو الوزارات السيادية، بما يهدد سمعة الدولة ويزعزع هيبتها.
لذلك لم يعد تعزيز الأمن السيبراني خياراً، بل ضرورة استراتيجية. فالتهاون في هذا الملف يضر بالسمعة الإقليمية والدولية، ويؤثر على تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI)، ويضعف الثقة في البيئة الاقتصادية.
تشير التقارير إلى أن خسائر دول الخليج من الهجمات السيبرانية تراوحت في السنوات الأخيرة بين 3 إلى 15 مليار دولار سنوياً، فيما بلغ متوسط تكلفة اختراق البيانات في البنوك الخليجية 6.93 مليون دولار للحادثة الواحدة، وهو أعلى بكثير من المتوسط العالمي. وفي البحرين وحدها، قُدّرت الخسائر بحوالي 30 مليون دولار في عام 2023.
المصدر: https://www.newsofbahrain.com/bahrain/103444.html
تحديات القطاع البنكي في البحرين
يواجه القطاع المصرفي بمملكة البحرين العديد من التحديات، منها:
- التوسع السريع في التحول الرقمي.
- زيادة نقاط الهجوم المحتملة.
- نقص الكفاءات المتخصصة في الأمن السيبراني.
- يضاف إلى ذلك قلة وعي العامل البشري من جهة زيادة عدد الاستهداف للأفراد والمؤسسات، الذي يبقى ثغرة رئيسية رغم جهود التوعية، وضعف التنسيق الإقليمي، وسرعة تطور هجمات المهاجمين بما يفوق الضوابط التقليدية.
من المهم الإشارة إلى دراسة أقيمت حديثا لقطاع البنوك والمؤسسات المالية في البحرين بغرض التعرف على العلاقة بين برامج التحول الرقمي فيها وعمليات الأمن السيبراني لديها.
كان الغرض من هذه الدراسة تزويد مديري أمن المعلومات والتنفيذيين في القطاع المصرفي وأصحاب المصلحة بالمعرفة والموارد اللازمة لتعزيز عمليات الأمن السيبراني في هذا العصر الرقمي المتسارع. والذين هدفهم الحفاظ على ثقة العملاء وتعزيز قدرة المؤسسات المالية على مقاومة الهجمات الإلكترونية.
وأظهرت نتائج الدراسة أنّ الخدمات المصرفية الرقمية فعلاً تُحسِّن من رضا العملاء وكفاءة العمليات التشغيلية، إلا أنّها تُولِّد في الوقت ذاته ثغرات أمنية سيبرانية جديدة. وتؤكد على أهمية تبنّي استراتيجية محكمة التخطيط، وتخصيص الموارد اللازمة لتطوير الكفاءات البشرية، وتعزيز الشراكات مع شركات التكنولوجيا المالية الناشئة من أجل التعامل بفعالية مع بيئة التحوّل الرقمي.
المخاطر الناشئة
تشهد الصناعة المصرفية في العصر الرقمي موجة من المخاطر الناشئة التي تتطلّب من المؤسسات المالية تبنّي استراتيجيات متقدمة لإدارتها. ومن أبرز هذه المخاطر:
١. التهديدات السيبرانية المتزايدة التي تتطوّر بوتيرة سريعة، حيث يستخدم المهاجمون أساليب أكثر تعقيداً لاختراق الأنظمة المصرفية واستغلال الثغرات الأمنية
٢. التوسّع في الخدمات المصرفية الرقمية وقنوات الدفع الإلكترونية مجالاً واسعاً للهجمات الاحتيالية، مما يفرض على المؤسسات المصرفية تعزيز أنظمتها الدفاعية وتطوير استراتيجيات استجابة سريعة للأزمات.
٣. المخاطر المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، سواء في تطبيقاته الداخلية أو في البيئة التكنولوجية المحيطة بالقطاع. فعلى الرغم من أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تسهم في تحسين الكفاءة التشغيلية وتحليل البيانات بشكل أعمق، إلا أنها قد تُستغل أيضاً لشن هجمات أكثر تطوراً، مثل إنشاء برمجيات خبيثة ذكية أو تنفيذ هجمات التصيّد الاحتيالي بأساليب يصعب اكتشافها.
٤. مخاطر تتعلق بانحياز الخوارزميات أو سوء تفسير نتائج التحليل الآلي، مما قد يؤثر على قرارات الإقراض أو تقييم المخاطر المالية بشكل غير عادل.
البحرين: أين نحن اليوم؟
تركز المملكة على حماية بنيتها التحتية الحيوية عبر الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني، بإشراف المركز الوطني للأمن السيبراني. كما تمتلك البحرين إطاراً قانونياً صارماً يتماشى مع المعايير العالمية، وتستثمر في تدريب الكفاءات الوطنية، وإدخال الأمن السيبراني في المناهج، واعتماد تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي. إضافة إلى ذلك، تشارك البحرين في حملات دولية وتستضيف فعاليات متخصصة لتعزيز حضورها الريادي.
كما يلعب مصرف البحرين المركزي CBBدوراً محورياً وحاسماً في حماية القطاع المصرفي من المخاطر السيبرانية من خلال وضع أطر عمل ومعايير صارمة للأمن السيبراني، وفرض ضوابط شاملة تضمن التزام المؤسسات المالية بأعلى مستويات الحماية.
فقد تبنّى المصرف سياسات متقدمة تهدف إلى تعزيز جاهزية البنوك لمواجهة التهديدات الرقمية، بما في ذلك إصدار إرشادات تفصيلية لأمن المعلومات، ومتابعة تنفيذ ضوابط الامتثال بشكل دوري من خلال عمليات تدقيق وفحوصات منتظمة. كما يعمل المصرف على تعزيز ثقافة الأمن السيبراني داخل القطاع المالي عبر مبادرات تدريبية وتوعوية، وتشجيع الابتكار المسؤول في الخدمات المالية الرقمية. ويسهم هذا الدور الرقابي الصارم في رفع مستوى مرونة المؤسسات المالية في البحرين، وضمان استمرارية العمليات المصرفية ضمن بيئة آمنة وموثوقة تدعم استقرار النظام المالي الوطني.
خارطة طريق لتعزيز الاكتفاء الذاتي
إنّ من أهم ما يميز مملكة البحرين للباحث هو هذا المثلث الذهبي المتمثل في:
- البنية التحتية: شبكة اتصالات متقدمة وصغر المساحة الجغرافية تسهّل المراقبة والحماية، وتوفر سرعة الاستجابة للأزمات.
- التعليم: إدراج الأمن السيبراني مبكراً في المناهج، والتوازن بين المخرجات الأكاديمية والمهنية لسوق العمل.
- التشريعات والقوانين: مركزية التشريعات ما يوحّد السياسات ويعزز الثقة في التعامل والاستثمار والاستقرار الرقمي.
وبخصوص التعليم، يظهر تقرير حديث (2025) أن نسبة استخدام الإنترنت في البحرين بلغت 99%، أي أن الأمية الرقمية أقل من 1%، وهي من أدنى المعدلات إقليمياً وعالمياً، ومن المهم توجيه ذلك إلى تمكين العشرات في مجال الأمن السيبراني بالبحرين.
المصدر: https://datareportal.com/reports/digital-2025-bahrain
القطاعات الأكثر استهدافاً
ومن المهم معرفة القطاعات المستهدفة من الهجمات السيبرانية في الشرق الأوسط ومن بينها دول الخليج العربية، ليتم العمل عليها من الداخل للخارج بقوة، وهي:
- الطاقة والنفط والغاز والكهرباء: 24.9%
- القطاع الحكومي والعسكري 22.1%
- الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات 20.7%
- القطاع المالي والمصرفي20.0% – 10.9% :
- الخدمات المالية: 18.8%
- التعليم: 8%
- الإعلام والترفيه: 5.2%
هذا يفرض وجود آلية وطنية للتحصين تشمل الحكومة، المؤسسات، والأفراد، مع التحول من رد الفعل إلى الوقاية، ومن ثم إلى تصدير الخبرات والابتكار في المجال.
آليات التمكين السيبراني البحريني
فما هي الآليات للتمكين الرقمي لصناعة شعب واعي لنفسه ولمجتمعه ولبلده؟
١. الدورات الصغيرة التي تعلم الأساسيات للوصول إلى أكبر قدر ممكن من أفراد المجتمع بالخصوص ربات المنازل، وأصحاب المشاريع الصغيرة
٢. الورش المكثفة القصيرة لكل موظفي القطاعات الحساسة، من المدير التنفيذي حتى حارس الأمن
٣. المسابقات والمؤتمرات المتخصصة المحلية والخليجية والإقليمية والعالمية
٤. التعاون مع الجهات الأجنبية المتخصصة لتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر FDI في الموضوع
ومن الضروري العمل على توفير العدد المناسب للخبراء في مجال الأمن السيبراني في كل قطاع..
مع أنه لا توجد إحصائيات رسمية حالياً، لكن الوصول إلى نحو 2000 خبير سيكون مؤشراً صحياً على نضج المنظومة الوطنية خلال الخمس سنوات القادمة.
المخرجات المتوقعة مع التمكين الرقمي
- رفع مستوى الوعي والتجربة والسلوك السيبراني.
- تمكين “القراصنة البيض White Hackers” لاكتشاف الثغرات وحماية المنظومات.
- تقليل حجم وتكرار الهجمات والاحتيالات.
- صناعة سمعة رقمية قوية تجذب الاستثمارات وتعزز الاقتصاد الوطني.
الخاتمة
تعزيز الأمن السيبراني في البحرين يشبه تعبئة المجتمع للدفاع عن مكتسباته من الفرد العادي إلى كبرى المؤسسات. والدولة القادرة على تأمين فضائها السيبراني ستحمي بنيتها التحتية واقتصادها، وتبني سمعة قوية، وتخلق فرص عمل، وتستقطب الاستثمارات وتعزز الاستقرار المالي لديها.
إنّ ما نحتاجه اليوم هو استراتيجية وطنية متعددة الاتجاهات، تبدأ من تمكين الأفراد بالمعرفة، مروراً بالمؤسسات وصولاً إلى الحكومة. فالمجتمع الواعي رقمياً هو أساس دولة مستقرة مالياً وآمنة رقمية وجاذبة للاستثمار ومعززة للاستقرار.
وصلة الموضوع من موقع صحيفة البلاد البحرينية:
https://www.albiladpress.com/news/2025/6198/finance/944554.html

Leave a Reply