الرئيسية

  • ERROR!

    Error
    جعفر حمزة

    يُطلق على الفرق بين القيمة المحسوبة “Measured value”والقيمة النظرية الصحيحة “Theoretically correct value” مسمى “Error”، وقد تم إسقاط استخدام هذه الكلمة من مجالها الرياضي البحت إلى فضاءات أوسع تمتد من الاقتصاد إلى الاجتماع وصولاً إلى الدين والمقدسات إعتقاداً وسلوكاً وموقفاً.

    ولمعرفة الـ”error” لا بد من وجود صورتين متقابلتين، صورتان بينهما مسافة ملموسة لا بد أن تكون إحداهما على خطأ والآخرى في منطقة الصواب. وعبر استعراض لصور متقابلة في المشهد الاقتصادي المحلي البحريني، لا بد من الاستنتاج في النهاية إلى وجود “error” سواء في المشهد المفترض أن يكون أو في المشهد الحاصل والواقع فعلاً.

    المشهد الأول:
    “أن الموظف البحريني في قطر سيعامل كأخيه القطري وأن كل الوظائف وفي مختلف المجالات مفتوحة للأشقاء من مملكة البحرين”، هذا ما قاله ولي عهد دولة قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني لدى استقباله وزير العمل البحريني السيد مجيد العلوي، وذلك عقب افتتاح الأخير مكتب العمل المشترك بين مملكة البحرين ودوزلة قطر في الدوحة.

    المشهد الثاني:
    “الكهرباء” تعلن عن وظائف شاغرة في الصحف الأردنية، وذلك في مجال المحاسبة بالوزارة. وإجراء مقابلات في كل من العاصمة الأردنية والتونسية لشغر تلك الوظائف!

    المشهد الثالث:
    أحد النواب يطالب بتشريع قوانين تحد من هجرة الأدمغة البحرينية للخارج!

    المشهد الرابع:
    إعلان توظيف في وزارة التربية والتعليم في الصحف الأردنية، واستقدام موظفين من الفلبين لأجل العمل في وزارة الأشغال!

    تلك المشاهد المتاينة فيما بينها تقدم صورة واضحة بين المنطق الوطني المطلوب في توظيف أبناء البلد، ولئن كانت الحجة –وهي كالعادة واهية- في أن المستقدمين (بفتح الدال) مؤهلين وأولي خبرة، فإن ذلك يدل على عدة أمور منها:
    1-وجود “error” في النظام التعليمي وخصوصاً الجامعي لغياب تلك الكفاءات المطلوبة في تلك الوزارات، لغياب التوفيق بين الدراسة وسوق العمل.
    2-وجود “error” في النظام المتبع بوزارة العمل وديوان الخدمة المدنية، ليكون المواطن البحريني غير مؤهل على الدوام!
    3-وجود “error” في تلك الوزارات التي تدير ظهرها عن المواطن البحرين وتفرش البساط الأحمر لغيرهم، ولئن كان ولا بد، فلا أقلها من اتباع منهجية “الاستفادة والإحلال” من خلال الاستفادة من الخبرات الأجنبية –إن كانت حقيقية- وإحلال العمالة الوطنية عوضاً عنها بعد فترة زمنية محسوبة.
    4-وجود “error” فيمن يمسك بخيوط تنظيم سوق العمل ومن يوضع الخطة الاقتصادية في البلد، فعبر حساب منطقي بسيط، يتضح مدى الخطر وقصر النظر عند غض النظر عن الكفاءات الوطنية، وعلى افتراض أن لا وجود لها –كما يدعي البعض-، فلا أقل من وضع خطة تؤهل القدرات الوطنية على مسك اقتصاد البلد بنفسها دون غيرها.
    ونؤمن بأن هناك “error” كبير جداً بين ما يطرحه الملك ورئيس الوزراء وولي العهد من تقدير للمواطن البحريني وفتح المجال ليبني بلده بساعديه، وبين “منهجية” متبعة وكأنها مدروسة في إحلال غير البحريني في وظائف بمقدور البحريني أن يتميز فيها من قبل العديد من الوزرات.

    وبين تصريح ولي عهد دولة قطر “المرحب” بكل بحريني للعمل في الجارة قطر، وبين سياسة بعض الوزارات في “صد” الكفاءات الوطنية، يتضح بين هذا وذاك وجود خطأ كبير في معادلة التنمية الوطنية، فهناك الكثير من العناصر التي تفتقدها تلك المعادلة، وبالتالي تكون النتيجة دائماً هي “ERROR” وبأحرف Upper Case أيضاً.
    وعند النظر إلى الكثير من تجارب الدول كماليزيا وسنغافورة ودبي تتبين الجهود المتواصلة في إحلال العناصر الوطنية لتكون جزءً من المعادلة الأساسية للتنمية، لا أن تكون في صف إحتياطي لا يدري متى يُسخّر ما لديه من قدرات من أجل بلده، وبالتالي تتضح “ورقية” – أي التنظير فقط- لمقترح ذلك النائب، فلا مجال لوقف هجرة الكفاءات الوطنية للخارج إن كانت الأبواب موصدة بالداخل، ومفتوحة على مصراعيها وبميزات متعددة في الخارج.
    يخيفني حقيقة ما أسمعه من كثير من الأخوة بأنهم يترقبون العمل في دولة قطر على أحر من الجمر، وهذا شيء جيد فالبحرين وقطر شعب واحد وبلد واحد، إلا أن “الأقربون أولى بالمعروف”، ونخشى ما نخشاه أن تصل البحرين إلى مرحلة “الفراغات القاتلة –Killing Empty Spaces”، ففي أي ظرف يمكن أن يحصل في المنطقة تضطر “الكفاءات” غير البحرينية للعودة لديارها وترك أعشاشها فارغة في هذه الوزارة وتلك، وبالتالي نصبح على فراغات متعددة في وزارات لم تحسب هذا اليوم، مما يخلق الشك في نوايا ومنهجية التوظيف التي ستوصل البحرين إلى فراغات لا يمكن ملأها في الوقت المناسب، وإلى ذلك الحين سنكون في موقع الـ”error” ما دامت العناصر الداخلة في المعادلة خاطئة، وبالتالي ستكون النتيجة وبالخط العريض “ERROR”!


  • هروب الدجاج
    جعفر حمزة
    جريدة التجارية الاسبوعية ١٤ نوفمبر ٢٠٠٧

    لم يشعرن بإنتماء حقيقي للمكان الذي كنّ فيه، وكان عملهنّ اليومي والدائب هو تقديم البيض لصاحبة المزرعة الجشعة، والتي رأت أن المسألة لا تستحق عناء جمع البيض وبيعه، فقررت أن تحوّل الدجاج إلى فطائر، وكانت اللحظة الحاسمة بعد محاولات الدجاج العديدة للهروب من الحظيرة ، وذلك بمساعدة الديك”الأمريكي” الذي أتى من بعيد، ليكون “المخلّص” لهنّ من عذاباتهنّ اليومية، وانتصرنَ الدجاج على المرأة الجشعة وعشنَ في الأرض الموعودة كما تخيلوها، لا بيض كل يوم بعد اليوم!

    استحضرتُ مشاهد الفيلم كشريط أخرجه الواقع المعاش، وأجد أن العنوان – وليس مضمون الفيلم- واقعي جداً كنتيجة لسيناريو نتمنى أن لا يكون أبداً، إلا أن العاقل والحكيم من يضع الأمور في نصابها الصحيح، ويضع في عين الإعتبار كل الإحتمالات الواردة ليتمكن من توليها بحنكة ودراية عندما تقع.

    وما أشير إليه هنا بالسيناريو الأسود هو إحتمال وقوع الحرب في المنطقة أو المواجهة بين أمريكا والكيان الصهيوني من جهة وإيران من جهة أخرى، وخصوصاً مع تصعيد الموقف من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني.

    وعوداً إلى دجاجاتنا “الثائرات” على الوضع، حيث تمكّنّ من الهروب من الحظيرة لسببين، أولهما عدم شعورهنّ بالإنتماء إلى المكان، والذي دفعهن للسبب الثاني وهو البحث عن طريقة للهروب منه، وتصاعدت الأحداث ليكون الإسراع في الهروب نتيجة إقدام صاحبة المزرعة على اتخاذ قرار “ذبح” الدجاج وتحويلهن إلى فطائر!

    وتأخذ المجتمعات المعاصرة والتي تبحث عن البقاء بصورة مميزة ورائدة في عالم اليوم في البحث عن مشتركات مختلفة الزوايا لتكون معيناً حقيقياً يمكن الإعتماد عليه في حال حصول هزّة من أي نوع، سواء كانت اجتماعية، اقتصادية أو ثقافية وحتى سياسية.

    ويتميز الوضع في البحرين بتداخل تناسقي غير بسيط بخلاف ما يتم تصويره، وهو واقع علينا دراسته وحلحلته بدلاً من التغطية عليه وتجميله، فالمجتمعات التي تضع الكثير من مساحيق التجميل ستزول عند أي محنة، ويسيح الماكياج ويشوه صورتها. وذلك يسبب ضياع الفرص التي يمكن نيلها، والمشكلة الأساس تكمن في مفهوم المواطنة وأثرها المعيشي على المواطن، حيث تم طرح هجرة الأدمغة البحرينية إلى الخارج في الفترة الأخيرة، وهو تحصيل حاصل ونتيجة لا يمكن لنائب أن يأخذها ببساطة ويضعها في قالب المطالبة بتشريعات للحد من تلك الهجرة دون المعرفة الحقيقية للأسباب وتبعات تلك الهجرة.

    ومن ناحية أخرى تقل المساحة المخصصة للمنافسة الاقتصادية العادلة مع وجود أعداد لا يمكن الجزم بحجمها ممن حصل على الجنسية البحرينية وفق الشروط وروح الدستور من غيره، فضلاً عن شح في الموارد وزيادة عدد الأفراد في المساحة المسكونة أو المسموح بالعيش عليها.

    هذه العوامل، بالإضافة إلى أثرها الاقصادي على مستوى المعيشة، تثير السؤال عن تبعات السيناريو الأسود الذي قد يحصل بإصرار أمريكي وتحمّس صهيوني لضرب إيران.
    من لا يشعر بالإنتماء إلى الأرض التي يسكن عليها فما أهون عليه تركها عندما تتعرّض لخطر أو هزّة، وكما كانت الدجاجات لا يشعرن بإنتماء إلى المكان الذي كنّ فيه، وهربنّ عندما واتتهنّ الفرصة، فنخشـي أن يتكرر هروب الدجاج كما حصل إبّان الغزو العراقي الاثم على الكويت، وقد استفادت الأخيرة من التجربة بفعالية كبيرة، وضمنت عدم إيكال “الخيط والمخيط” كما يقولون للدجاج الذي يفكّر في الهروب عند أي أزمة.

    لا يمكن الوثوق ببقاء الدجاج في القفص إن فتحت له الباب، فتلك فطرته وإن كان “داجناً”، وما سيسببه هروب الدجاج هو فراغ حاد في مفاصل أساسية في المجتمع في دوائره الاقتصادية، وقبلها وأهمها علاقة الثقة التي تبحث عن قاعدة عملية في المستوى المعيشي، ولا يمكن تعويض ذلك الفراغ بين عشية “أزمة حرب” وضحاها بسهولة، وخصوصاً عندما يتم “تهجير” وطيران العقول الوطنية، وتدجين الدجاج البري.
    ونخشى أنّ مراكز التدفق المالية مصدراً وصرفاً تهرب مع هروب الدجاج، فهل يمكن الرهان علي دجاجات يفزعنّ عند كل ناعق وصريخ؟!