اختطاف القيم: حين تُعاد صياغة الضمير الإنساني”

عندما يتم الحديث عن القيم التي ترتكز عليها الشركات عبر منتجاتها وخدماتها، فذلك نِتاج التحولات الثقافية والاستهلاكية، في محاولة يجهد العقل البشري العمل عليها.
فنحن مخلوقات تستهلك بطبيعتها، بقليل أو كثير، وبذات الوقت مخلوقات ترتبط بالمعنى، ولها القدرة على صناعته وإعادة صناعته أيضًا.

وهنا “بيت القصيد”، حيث يكون الاختطاف للمعنى وتشويهه وإعادة تعريفه وتصديره بطريقتين: ناعمة وخشنة!

فتلك الناعمة تكون من خلال مساج استهلاكي لإعادة تعريف المفاهيم كالجمال، والصحة، والذات، والمكانة، والسعادة، والقائمة لا تتوقف، ومع وجود أدوات التأثير النفسية لتلك الشركات، تكون لها قدرة التعزيز لقيم وهمية من أجل تمرير منتج أو خدمة، ولزيادة الربحية من جيوب أولئك المؤمنين بوهم المعنى وصور تطبيقه.

“القدرة على إبقاء كل الخيارات الاستهلاكية مفتوحة، والاستعداد لاعتناق سيولة وزحمة المواد والخدمات التي يوفرها السوق. هذه هي السمات الرئيسية للاستهلاك المعاصر في زمن إعادة الاختراع”، هذا هو التوصيف الأنسب لأكثر ما نعيشه كما ذكره “أنثوني إليوت” في كتابه “إعادة الاختراع”.

فكما يمكن للقيم أن يُعاد تقديمها، فهناك من يختطفها!

أصبحت القيم قابلة للاختطاف الناعم، ويمكن تصنيع توجهها، وقد نصل إلى مرحلة إيهام الحاجة لترويج القيمة، كما فعل مؤسس “ريدبول” عندما لم يجد سوقًا لمنتجه في أوروبا، فقام بصناعة تلك الحاجة لإيجاد جمهور مستهدف له. وذلك عبر العمل على تأصيل قيم مثل “الإقدام والجرأة” وربطها بمشروب الطاقة. وكان الحرث في صورة متخيلة، وما زال مستمرًا. وذلك هو إعادة تعريف المفاهيم والقيم بشكل ناعم. ومع ذلك، هناك مَن له منتج يتمتع بقوة مصداقيته وارتباطه بشكل فعلي مع القيم التي يتم الترويج لها، مثل شركة “باتوغونيا”، وما زلنا في المساحة الناعمة للمفاهيم والقيم.

أما ما يقض مضجع الضمير ويهدد معنى الإنسانية فينا، فهو ذلك الاختطاف الخشن للقيم، وذلك من خلال منظومة وحشية تمارس كل أنواع الاضطهاد منذ أكثر من 70 عامًا، وموجودة بيننا، ويتم التغافل عنها، عمدًا أو يأسًا!

القيم ليست معلبات يمكننا تصنيعها وعرضها على الأرفف بما يتناسب مع طريقة العرض التي تتناسب مع كمية التراجع التي نتبناها!

فما لم نقف كبشر بدعم الضمير والقيم الأصيلة في حق الحياة للإنسان والعيش على أرضه، ستتهاوى أمامها حينئذ كل الكلمات وحتى العمل، ما دام أغفلنا ألف باء القيم لدينا نحن كبشر.
مَن يغفل أو يتغافل عن الحديث تصريحًا أو تلميحًا عن الصور البشعة لقتل الضمير الإنساني، لا أعرف بأي طاقة أو قدرة يمكنه الحديث عن القيم.
كمن يتحدث عن الرحمة في خطاب بساحة منزله، وبيت جاره يحترق بمن فيه ويسمع صراخه مع أهله!

إن قيم الحرية والكرامة لا تتجزأ، فالأمر يتعدى حدود الجغرافيا ليصل إلى قلب كل إنسان حر.

ويمكن دعم تلك القيم المنتهكة لشعب ما زال يقاوم لأجل بقائه حيًا على أرضه، عبر بعض الخطوات، وهذه بعضها:

1. صناعة المحتوى الداعم للقضية، من تصميم ونص وصور وفيديو وغيرها.

2. تقديم التضامن بكل السبل الممكنة، عبر مشاركة الحملات الداعمة للقضية.

3. تأصيل الدعم عبر منتجات تحمل رسالة القيم للقضية، كما في منتج “غزة كولا”، وغيرها.

4. السكون الداعم، عبر مقاطعة المنتجات الداعمة لكل اضطهاد ووحشية، فالمقاطعة ترجمة ناعمة للرفض.

5. التعزيز الثقافي والفني للقضية عبر المهرجانات وصناعة الألعاب الواقعية والافتراضية والرقمية.

6. إظهار الدعم، ولو برسالة أو إعادة نشر أو حديث لأولئك المتضامنين من شرق أو غرب.

كل أولئك كان عليه مقدورًا، فعندما تُنتهك القيم في العلن، فلا شيء يبقى ذو معنى بعدها، لأن ذلك ما يجعلنا بشرًا، أن نشعر بالكرامة.
ومحاولة الهروب من ذلك عبر التغافل لن تجعله غير موجود، كمن يغلق عينيه ويظن أنه اختفى ولا يراه أحد!

ما لم نؤصل تلك القيم قولًا وفعلًا، فسنعيش في عالم منافق نصنعه بصمتنا ووقوفنا السلبي من بعيد.
فالصوت الذي لا يُرفع حين تُقتل القيم، سيكون صدىً لعجز مستمر، يذكرنا دومًا بذلك الخذلان الذي اخترناه، وصككنا آذاننا عن سماع صوت الضمير البشري فينا.

Comments

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *