جعفر حمزة


كانت العاشرة صباحاً من يوم الجمعة عندما تلقيت “SMS” من أحد الأصدقاء، فظننت قبل فتحها بأنها دعاء أو ما كلمات حكمة –كعادته-، إلا أنه فاجئني بهذه الكلمات “10 سنوات هو احتياطي النفط في البحرين! بعدها بنصدر شربت1. جمعة مباركة”!

ولئن كان في الأمر “نكتة” أو ربما “مبالغة” بخصوص احتياطي النفط،، أو حتى إمكانية تصدير الشربت، إلا أن الأمر يحوي تحديات تلقي بظلالها على الدولة والمجتمع على حد سواء، مع اختلاف الثقل المُلقى عليهما. وهو ما يستدعي الوقوف الجاد والتخطيط الذي سمعنا الكثير من “جعجعته” ولم نر “طحينه” ملموساً مأكولاً أو مخبوزاً!


فهناك الكثير من الدول التي تجهد في تجديد مصادرها من الطاقة للدخل القومي لتتماشى مع المتغيرات المتسارعة في مجالات الطاقة والبيئة والابتكار، لتكون على قدر التحدي ومن ضمن مقدمة المجتمعات التي تحافظ على ثباتها وتماسكها المعيشي، وهو الأساس في الاستقرار السياسي والاجتماعي كنتيجة طبيعية للاستقرار المعيشي والاقتصادي.

ومر اليوم العالمي للملكية الفكرية في 26 ابريل ولم نسمع تصريحاً أو تشجيعاً أو حتى خطاباً من مسؤول رسمي بالمناسبة،فقد غلب صوت محركات سيارات حلبة الفورمولا واحد على كل شيء حينها.

وفي دولنا الخليجية التي تتمتع بنعمة النفط،، من المدهش أن حجم الدراسات الجادة في البحث عن بدائل جديدة للطاقة والاستفادة منها كالطاقة الشمسية والأمواج والرياح وبعض المكونات العضوية في البحر كالطحالب، بات ضرباً من الخيال العلمي في بعضها، ونوعاً من الترف الكلامي لدى البعض الآخر، وكأننا على يقين باستمرار نعمة النفط لآلاف السنين، ولئن عُقدت ندوة هنا أو تم افتتاح مؤتمر هناك، فقد أصبح “روتيناً” أو شكلاً من صور “المتابعة” و”التواصل” الشكلي مع التحديات الجديدة في مجال الطاقة بالعالم والمنطقة خصوصاً.

والدليل على ما ندعيه هو “ضآلة” حجم الاهتمام والميزانيات المرصودة في مجال البحث العلمي والتقدم في البحث عن مصادر بديلة للطاقة، وخصوصاً مع وجود ثالثة الأثافي في المنطقة الخليجية، وهي:

أولاً: تنامي حجم الكثافة السكانية في منطقة الخليج، سواء من المواطنين أو الوافدين أو القاطنين، وهو ما يشكل عبئاً على محطات الطاقة ويُثير الكثير من الأسئلة العملية في مدى تحمل شبكات الطاقة للثقل المتجدد عليها، فضلاً عن دخول عوامل أخرى تحد من القدرة على توفير الطاقة كالفساد الإداري ورهن تقنيات تلك الشبكات في أكثرها على “الخبراء الأجانب” فنياً أو إداراياً. وبالتالي يكون البحث عن مصادر جديدة للطاقة أو على الأقل تطوير طرق الاستفادة من الطاقة الحالية أمراً لا بد منه لتتماشى مع حجم التغيرات السكانية.

ثانياً: تصاعد البحث الجاد والحثيث عن مصادر بديلة للطاقة من قبل الكثير من الدول المتقدمة –وهي المستوردة للنفط من دول الخليج خاصة-. وهو ما يجب أن يكون تحدياً لدولنا في السباق للبحث عن بدائل للطاقة حتى مع وجود النفط. وهناك دولتين جارتين قد بدأتا بالفعل في ذلك ، بالرغم من إن إحداها تمتلك مخزوناً وفيراً من النفط والغاز الطبيعي كإيران، والأخرى يتنوّع مصادر دخلها الطبيعي والصناعي كالهند. في حين ما زالت دول الخليج تراوح مكانها بأسود نفطها الذي يبدو لها مخلداً لا ينتهي!

فقد نصل إلى الوقت الذي لا يمكننا تشغيل العديد من الأجهزة والمصانع بتقنيات حديثة إلا باستخدام الطاقة الجديدة، وقد تنقلب الآية، حيث سنستورد الطاقة من تلك الدول بدل الحاصل الآن.

ثالثاً: الزهد أو التهميش في الميزانيات المرصودة للبحث العلمي، وهذا يعني أن “بيض” كل الشعوب في المنطقة موضوع في “سلة واحدة”، وهي سلة النفط لا غير. وفي حال “ضعف” تلك السلة فلا بيض عندنا ولا هم يحزنون. وقد لا ندرك ذلك اليوم الذي يسقط فيه كل البيض، إلا أن أحفادنا لن يكون بأيديهم شىء لا من الطاقة ولا غيرها إن تم الحال على ما هو عليه من تحويل تلك الثروة السوداء إلى “بذخ” و”إسراف” و”مبالغة” في الصرف، سواء على مستوى الحكومات التي تجعل من النفط بحيرة خاصة تلهو بها وتلعب كيفما تشاء من غير تخطيط للمستقبل أو على مستوى الأفراد الذي يغلب عليهم “العقل الجمعي” في السلوك لتكون مادة المال بين أيديهم غاية لا وسيلة تتمثل في حب المظاهر والصرف غير المخطط له.

ولوقف وضع كل البيض في سلة واحدة، لا بد من تهيئة قاعدة الإبداع ليس للبحث عن مصادر بديلة للطاقة فقط، بل لتنويع مصادر الدخل ولإنعاش الاقتصاد الوطني وتنمية الصناعات الصغيرة والمتوسطة أيضاً، هذا فضلاً عن إنعاش البحث العلمي والابتكار لتكون هي “السنارة” التي يمكن لنا ولأحفادنا الاستفادة منها، بدلاً من “السمك” الذي يحصلون عليه كل يوم ولا ضمان باستمراره.

ويمكن الوصول إلى ذلك عبر أمور، منها على المستوى الرسمي:

رصد ميزانيات للأبحاث العلمية وتشجيعها، والتقليل من مظاهر البذخ ومشاريع “Show off“.

المساهمة في إقرار التشريعات من مجلسي النواب والشورى للدفع في هذا الصدد.

تشكيل هيئة مستقلة تجمع الملكية الصناعية –وهي الآن تحت وزارة الصناعة والتجارة- وحقوق المؤلف –وهي الآن تحت وزارة الإعلام-، ودعمها بقوة مالياً وإدارياً.

إعطاء مساحة كافية من التغطية الإعلامية ومتابعتها للمبتكرين البحرينيين والمبدعين والمخترعين.

دعم المبدعين والمخترعين مادياً ومعنوياً.

تأصيل الإبداع في المدارس عبر المناهج الدراسية.

ومنها على المستوى المدني:

تشجيع الكوادر المبدعة ودعمها اجتماعياً.

نشر عقلية الإبداع والابتكار والتشجيع عليها من قبل مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات وأيضاً من قبل الخطابات المؤثرة في المجتمع “الدينية على سبيل المثال لا الحصر”.

التوظيف المناسب والمدروس من فرص دعم الموارد المالية من خلال بعض الجهات الحكومية “بنك البحرين للتنمية، “تمكين”، وزارة التنمية الاجتماعية”.

الاستفادة من أي فرصة داخل البحرين وخارجها للإنضمام إلى برنامج أو دعوة تثري الساحة المحلية وتقدم كوادر مبدعة يمكنها أن تحدث فرقاً قي المجتمع.

إقدام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بل حتى الشركات الكبيرة على دعم المبدعين والمخترعين وتوظيف ابتكاراتهم بصورة عملية.

هناك الكثير من المبدعين البحرينيين، ولا ينبغي أن ننتظر أن تتبنّى إحدى الدول المتقدمة مبدعاً بحرينياً لنتكلم بعدها عن ضرورة دعمهم، ولسنا بحاجة لأن “تقرصنا” الظروف لنبحث عن حلول إبداعية بسواعد محلية تقدم لنا الحلول.

بل بات الأمر أكثر ضرورة وإلحاحاً ليتنفّس فيه المبدعون البحرينيون ويتم تقديم الدعم لهم، ولينالهم كرم حاتمي كما ينال بعض الرياضيين وما يسمون أنفسهم بالفنانين وبعض الظواهر الصوتية التي لا تغني ولا تسمن من جوع.

وربما يحتاج أن نفكر، ربما يمكننا تصدير الشرب، فلم لا؟

1. الشربت هو نوع من العصير يتم تحضيره بخلط بودرة مع الماء البارد، ويقدم في المناسبات الخاصة.

Leave a Reply