الحضور التصميمي المقدس

“أَلِقْ دَوَاتَكَ وَأَطِلْ جِلْفَةَ قَلَمِكَ وَفَرِّجْ بَيْنَ السُّطُورِ وَقَرْمِطْ بَيْنَ الْحُرُوفِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَجْدَرُ بِصَبَاحَةِ الْخَطِّ.”

جمالٌ متدفق تجمع بين إحاطة بالأدوات ومهارة مستخدمها وفهم متلقّي العمل بينهما.

وما تلك إلا ثلاثية ذهبية في مجال العرض البصري للرسالة.

1. Knowing your tools

2. Craft your skills

3. Know your target audience

تلك وصية الإمام علي بن أبي طالب ”عليه السلام وكرم الله وجهه“ لكاتبه عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِع.

 

إنّ التميز البصري بكل جمالياته حاضر في المنهج الإسلامي وبأدق التفاصيل.

إنْ أتيتَ إلى الملابس فلها آداب، وإن تحدثتَ عن الطِيْب فالأحاديث ليست بقليلة داعية للتطيب وأخذ الزينة عند كل مسجد، وفِي القرآن مسطور ذلك وبشكل مباشر.

” يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ“.

كل تلك الصور تعكس جمالية المنهج الإسلامي في الحضور البصري في حياة المسلم الخاصة والعامة على حد سواء.

وهذا الحديث يتطرق لأساسيات الخطاب البصري عبر “الخط المكتوب”، إذ يسرد أساسيات ومباديء الخط الجميل عبر ذكر تقنيات وطرق لضبطه وإخراجه:

. إلاقة الدواة.. أي وضع القلم في محبرة بها خيوط الحرير لتعطي القلم حبرًا مناسباً للكتابة

. إطالة الجلفة، وهي المنطقة الواقعة بين بطن القلم وسنِّه

. التفريج بيت السطور لأجل وضوح الكلام وعدم المزاحمة

. قرمطة الحروف، أي تقريبها من بعضها لتكون كتلة مريحة واحدة للقراءة.

وهناك مصطلح خاص بذلك يسمونه kerning

وتعريفه:

Kerning is the process of adjusting the spacing between characters in a proportional font, usually to achieve a visually pleasing result.

ولتكون النتيجة هي صباحة الخط، أي جماله للقاريء.

 

 

تلك النصائح ترسم خارطة طريق لصباحة الخط وجاذبيته، ولا غرو في ذلك إن علمنا أن الإمام علي عليه السلام من قال “الخط الحسن يزيد الحق وضوحاً”. حديث آخر مدعاة للتأمل وفهم العنصر الرابع في إحداث الأثر عبر ”الحضور البصري“، وهو فهم الرسالة والإيمان بها والعمل عليها وتوظيف الأدوات المناسبة لها.

فيكون المربع الذهبي في الحضور البصري هو:

1. Know your message

2. Knowing your tools

3. Craft your skills

4. Know your target audience

1. فهم رسالتك

2. إحاطة بأدواتك

3. تركيز على مهاراتك

4. فهم جمهورك

ومع التحفظ على رسم ذوات الأرواح في الإسلام لدى كثير من المذاهب الإسلامية إن لم يكن أغلبها أو كلها، فكان الخط هو الفن البصري الأعمق والمدعاة للتأمل أكثر من غيره من الفنون الأخرى كالنحت ورسم ذوات الأرواح، لذا تجد الأماكن الدينية تتزين بالخط العربي دون سواه، مع التنبيت ”استخدام الزخرفة النباتية والهندسية الرياضية“، فالخط العربي يهبك أبواباً للتأمل.

فالرسم يعطيك الموضوع بشكل محدد عبر تشكيلات وإخراج الفنان كمن يشاهد فيلماً.

في حين الخط فإنت تسبح في بحر من المعاني وتفتح أفقك للتأمل والاستغراق فيها، وكأنك تقرأ كتاباً. وشتان بين من يقرأ كتاباً ويُعمل فكره فيه وبين من يشاهد فيلماً.

 

 

ولا استنقاص هنا للرسم وجاذبيته وأثره، بقدر المقارنة التأملية بينهما لا غير. وطبعاً هناك حضور جميل ”مطلوب“ للرسم بصيغة إسلامية وهي موجودة ونراها بإتقان محترف جداً في بعض البلدان كماليزيا وإيران والهند ومصر.

”إن الله جميل يحب الجمال“، وهل هناك أسمى من أن تتحرك جمال يحبه الله، وتسعى لإدراك أدواته وفهم طرقه، وتوظيف ما بين يديك لتقديم ”ما يحبه الله“ على الأرض، فيكون ”وسم الجمال“ أينما حللت.

والتجارة عصب الحياة والتسويق شريانها، والتصميم وجهها، وهو ما يُنظر له ويُتفاعل معه، لذا لا بد من فهم لتجربة المستخدم UX، لرفع الذائقة البصرية لصاحب التجارة وجمهوره على حد سواء، ولا يكون ذلك إلا باتباع لحديث جميل مبهر ملهم آخر، وهو

”إن الله يحب إذا عمل أحداً منكم عملاً أن يتقنه“

محبة الله مقرونة هنا باتقان المرء لعمله،. ولا يحضر الإتقان إلا من خلال الفهم والتركيز والتحديث ومجارات المتغيرات والابتكار فيها.

الحضور البصري ”ليس ترفاً“ ولا أمراً هامشياً يكون في ذيل قائمة المتطلبات للمشروع، بل هو متطلباً لازماً له القدرة على اختزال شخصية الهوية Brand Peronality

بشكل ذكي يتميز بالاستدامة ليكون خير معين في التسويق والمحافظة على النسق في الرسالة Consistency.

ما إن تتأصل ثقافة الحضور البصري الجميل والمتقن بالمجتمعات من خلال ”المصممين وشركات التصميم“، وإدراك عملي من قبل التجار ورواد الأعمال والجهات المختلفة بالسوق، وتذوق راقي من قبل الجمهور حتى يرتفع منسوب الحضور البصري المحترف، ليتعدى الشكل ليدخل في التجربة والسلوك المجتمعي.

ومن أجمل الكتب التي تناولت هذا الموضوع كتاب

Change by Design, Time brown

هناك الكثير في جعبة من يتأمل في منهج الجمال بالإسلام ليدرك حجم أهمية التفكير التصميمي Design Thinking وغيرها من المفاهيم الحديثة والتي كانت أحد أهم القيم المتأصلة في الدين الإسلامي.

فالجمال مشترك بشري ممتد من أيام إنسان الكهف حتى يومنا هذا، وتكون له مكانة عظيمة في الإسلام، فدين الله تعني جمال الله على الأرض لأجل حياة ذات معنى ورسالة موثرة لدى خليفته على الأرض.

 

Leave a Reply