البقرات السمان بين روبن هود وعلي بابا


جعفر حمزة*

التجارية الثاني من ديسمبر 2008م

كان من حُسن حظ الأول تواجده في تلك اللحظة، لتكون له باباً واسعاً لتنقلب حياته رأساً على عقب، ويتمتع بعدها بثراء فاحش وغنىً ينتهي عمره قبل أن تنتهي نصف أو ربما ربع ثروته التي “جناها” من وراء معرفته لكلمة سر الغنى والثروة। فعاش لنفسه في قصر فخم. وأما الثاني فقد كانت علاقته بالثروة من نوع آخر، حيث يظفر بالمال من أناس ليوزعها على آخرين، وكانت الغابة منزله ومأواه.

“علي بابا” هو الذي حصل على الثروة لنفسه من خلال معرفته لكلمة السر للكهف الذي تودع فيه عصابة الأربعين حرامي غنائمهم من ذهب وفضة ومجوهرات ونفائس، فما كان منه إلا أن “تمتع” بها دون تعب منه أو إجهاد।و”روبن هود” هو البطل الأسطوري في القرن الثالث عشر، الذي كان يسرق من الأغنياء ليوزعه على الفقراء، وكانت غابة “شيروود” مكان سكناه وانطلاقته ل”تحصيل” حقوق الفقراء.

وبقدر بُعد هاتين الشخصتين في الظاهر، حيث كان الأول مغدقاً المال على نفسه، في حين كان الآخر يوزع ما يسرقه من الأغنياء على الفقراء والمحتاجين، بقدر ما كان التشابه بينهما لا يخطأه العاقل المتبصر المنصف।ويتكرر هذين النموذجين بقوالب مختلفة في مختلف المجتمعات، ولكون مجتمعاتنا عربية فالميل إلى “علي بابا” أقرب وحركة سيرته فينا أشد.فهناك من يريد أن يكون ك”علي بابا” في معرفته لكلمة السر في توظيف علاقاته ونفوذه للوصول إلى الكهف والظفر بما فيه، وإنعاش “رغبته” حتى “التخمة”.وهناك من يجهد ليكون “روبن هود” في مقارعته للهوامير، وإن لم يكن بمقدروه أخذ شيء منهم، فلا أقل من الحد من “نهمهم” في أكلهم للأخضر واليابس.

وبين تلك الرغبة العارمة ليكون البعض مثل “علي بابا” الذي أخذ الأموال بالراحة، وبين البعض الآخر وهم قلة ممن يسعون للحد وتوزيع الثروة بمعيتهم الخاصة كما فعل “روبن هود”، تكون معادلة التوازن الاجتماع مفقودة। وذلك بين شد وجذب لا يحقق العدالة الاجتماعية ولا التنمية البشرية المطلوبة، ويكفي لذي عينين أن يشاهد الهوة الحاصلة بين المواطنين، في ظل ترهل وتفتت لطبقة ذوي الدخل المتوسط من جهة، وإنعاش أصحاب الطبقات المرفهة، سواء كانوا ممن عاشوا في هذه الجزيرة أو الآتون من وراء البحار، وذلك ضمن مشاريع ضخمة تُقام على أرض هذه الجزيرة من رمال الجزيرة وماءها دون حساب يحفظ المال العام.
البعض يعشق “علي بابا”، ليعرف كلمة السر ويضع يده على كل تلك الكنوز لينعم “وحده” بتلك الثروة دون تعب أو إجهاد فكر أو قطرة عرق।وهناك من يعمل ك”روبن هود”، والذي يسعى لأخذ ما لدى الأغنياء وإعطاءه الفقراء. إلا ان الفرق هنا أن ما يتم تقديمه هو خطابات نارية أو توصيف للحال دون العمل في الميدان أو تقديم شيء ملموس للفقراء.

وبين سيطرة “علي بابا” على الثروة لوحده، وبين خطابات حماسية ل”روبن هود” دون الحصول على شيء ملموس، يضيع المواطن بينهما، ليختار إما التزلف ل”علي بابا” لعلّ وعسى يحصل على بعض من فتات مائدته، أو العيش بكرامة “كما يعتقد” في ظل خطابات “روبن هود” الحماسية، التي لا تُسمن ولا تغني من جوع।وكما تتعدد خطابات “روبن هود” الحماسية طولاً وبلاغة و”جرأة”، فهناك إصدارات مختلفة ل”علي بابا” وبأحجام مختلفة.والمواطن العادي لا يسعى ليتزلف إلى “علي بابا”، ولا يريد أن يحصل على ما يظفر به “روبن هود”-إن وُجد-. فهو يريد حقه الدستوري المتوافق عليه، وهو المتعارف عليه في الدولة التي تسعي لبناء ذاتها عبر إيفاء حقوق المواطنين، وبالمقابل تنتظر الدولة أن يقوم المواطن بواجباته إزائها.
وفي خضم ذينك النموذجين بين ما يُقال على لسان حال “علي بابا” للناس كما قالت “ماري إنطوانيت” عندما أخبروها بجوع الشعب الفرنسي :”عليهم بتناول البسكويت”، فناولوها بالإعدام شنقاً। وبين ما يُثيره “روبن هود” من خطب نارية وحماسية، ولا يحصل الفقراء منه إلا على خبز من ورق وكلمات تدغدغ مشاعرهم وتجعلهم ينتظرون الخبز من الأغنياء بدلاً من البدء بحرث الأرض والزرع والاعتماد على الذات بما هو متوفر، لا لرفع العتب والحق من الطرف المعني بالمسؤلية، بل لتحقيق معنى التغيير الذي هو بداية كل إصلاح حقيقي في المجتمع.

وبين بسكويت “علي بابا” المرتفع الثمن، وخبز “روبن هود” الكلامي، تظهر من بينهما “البقرات السمان” التي ظهرت في حقل الاقتصاد بالبلاد في سنوات ارتفاع أسعار النفط، ليتم البحث عن تلك “البقرات السمان” اللاتي وضعهن “علي بابا” في الفناء الخلفي لقصره ولم يتحدث عنها للناس، في حين كان من الصعب على “روبن هود” سرقتها أو –استردادها- “كما يحب أن يسمع منا”، فاكتفى بذكرها في خطبه الحماسية وكفى। ولتكون جزء من أحلام الفقراء لعل وعسى أن يستيقظوا وبقربهم نصيب من حليبها المليوني.

إنّ ما يُوصل أي مجتمع للإضطراب وعدم الاستقرار، هو القبول إما بأسلوب “علي بابا” في تحصيل الثروة من جهة، أو التنفيس لدى الكثيرين عبر خطابات “روبن هود” الحماسية।والحل هو في إعمال القانون وتنفيذه على الجميع، على “روبن هود” و”علي بابا” على حد سواء. وفي غير تلك الحالة سيكون الاضطراب المجتمعي فضلاً عن توتر العلاقة بين فئات المجتمع والدولة باقياً. وتبعات ذلك لا تخفى على ذوي بصيرة.

ما العمل مع تلكم البقرات السمان؟
اخرجو البقرات السمان من قصر “علي بابا”، وادعو مريدي “روبن هود” ومتزلفي “علي بابا” للاستفاد منها بدلاً من أن تكون حكراً على فئة، والخشية أن ينقسم المجتمع بين “علي بابا” و”روبن هود”، وفي كلا الحالتين هما بعيدان عن إنصاف قضيتهما، فأحدهما وصل للثراء الفاحش عبر “كلمة السر” التي باتت أبعد من “افتح يا سمسم” في هذا الوقت، ।والآخر امتهن طريقاً تلون حياة الناس بسوداوية قاتمة لا منتجة، وذلك لاستحصال ما يظنه حق له وللمظلومين.ففي حين غفل الأول عن وجود حقوق ومطالبين لحقوقهم، ولن يطول الزمن حتى تصبح ثروة “علي بابا” مغارة أخرى لمتنفذين أو متضررين. وامتهن الآخر “روبن هود” الخطابة دون الفعل المخطط في خطواته في المجتمع، مما جعله “رمزاً” للمظلومبن كصورة دون فعل حقيقي يمكن الاعتماد عليه.

وبين النموذجين الشرقي والغربي كمثال تم ضربه هنا، ينبغي الوقوف والتفكر قليلاً، فمع استمرار “علي بابا” بجني ثروته بكلمات سر لا تعب فيها ولا نصب، وعدم توقف “روبن هود” عن حماسته وإلقاء الخطب، سنصل إلى مرحلة تفتت داخلي في المجتمع لا يمكن رأب صدعه ولا رتق فتقه، لأنها ببساطة سيكون كلاً من نموذجي “علي بابا” و “روبن هود” هما المطرقة والسندان للسلم المجتمعي والاستقرار الاقتصادي، ومهددة للصورة المطلوب تسويقها داخل كل مواطن قبل أن يتم تسويقها في الخارج ويتم صرف أموال سواء من أموال “علي بابا” أو من أموال الأغنياء الذي يسعى “روبن هود” لأخذها منهم।اتركوا البقرات السمان للناس، ليتم هجران كلاً من “علي بابا” و”روبن هود”، ليتم العمل الجاد عند إعطاء كل ذي حق حقه. وفي غير تلك الحال سنرى بقرات عجاف والعشرات من “علي بابا” ومثل عددهم وربما أكثر من “روبن هود”، ولا نعلم أي الأنموذجين سيحظى بحليب البقرات السمان!

* مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي.

Leave a Reply