300

التجارية ٢٨ أكتوبر ٢٠٠٨م

جعفر حمزة *

كانوا ٣٠٠ فقط قبال جيش جرار يحجب الشمس إن رمى السهام، ومع ذلك بقيت اسطورة أولئك النفر باقية لحد الآن، بغض النظر عن كل الملاحظات التاريخية عن القصة، والذي ترجمها الفيلم السينمائي الذي حمل عددهم اسماً له. ويشهد التاريخ تجارب من مختلف الديانات والحضارات أن العدد ليس هو الرهان الوحيد الذي يمكن الاتكال عليه للمضي قُدماً في تحقيق الانتصارات، سواءً على الصعيد العسكري أو الاجتماعي، أو الاقتصادي.

ومن الحكمة قراءة تلك التجارب، وأولها تجارب من حضارتنا الإسلامية، والتي تقدم أساساً للتنمية والتغيير، وتعتمد تلك المعادلة “المنتصرة” على مثلث تتمثل أضلاعه في التالي: الضلع الأول: وجود الرؤية. الضلع الثاني: وجود آليات تطبيق الرؤية. الضلع الثالث: وجود الكوادر التي تؤمن بالرؤية وتأخذ الأدوات لتطبيقها.
ولو لم تكن هناك رؤية واضحة للجنود ال٣٠٠، ما تحركوا شبراً واحداً من مكانهم، وكانت لهم الآليات الكفيلة بثباتهم في المعركة، عبر ما استفادوا منه من أدوات وذكاء। وقبل كل شيء كان هناك الجنود المؤمنون بما يقومون به، وبالتالي تحققت رؤيتهم، لتصل عبر آلاف السنين إلى يومنا هذا ليكون فيلماً سينمائياً بعد أن كان له حضور في القصص المصورة.

وفي العديد من تجارب العصر الحديث أمثلة أخرى للأخذ بمثلث التغيير، منها على سبيل المثال لا الحصر اليابان، فخلال ٦٠ عاماً تحولت من دولة منكوبة بقنبلة نووية مطأطأة الرأس مهزومة إلى ماسكة وبشدة اقتصاد قوي لا يُستهان به. وكذلك هي سنغافورة وهونج كونج وإيرلندا، والعديد ممن آمنوا برويتهم واستعملوا الأدوات اللازمة، وبين هذا وذاك كانت الكوادر التي طبقت الرؤية فظفرت مجتمعاتهم بالتميز والتغيير الإيجابي.

وفي جزيرتنا الصغيرة، فإننا نتطلع إلى٢٠٣٠، إذ تمثلت عبر رؤية وطنية تمت صياغتها ومشاركتها مع المختصين والخبراء والمعنيين، وذلك من أجل رفع مستوى الوطن والمواطن عبر ملفات عدّة ستضع البحرين عبر إنسانها على طريق العالم، بدلاً من الجلوس على جانب الطريق।
وليس ذلك ترفاً أو “مظهرة” كما يحسبها البعض والذي اختلف معهم بشدة، فوضع رؤية اقتصادية للدولة مع وجود خط زمني لتحقيقه أمرٌ أصبح ضرورياً لتلك الحكومات التي تريد أن يكون لها موضع قدم في خضم التغييرات الدولية والتي تتسارع بوتيرة لا مجال للتنظير والكلام، فالقطيع الإلكتروني لا ينتظر أحداً أبداً.(١)

إنّ رؤية البحرين ٢٠٣٠ هي حلم كل بحريني، لأنها تعكس أكثر من مجرد مطالب أساسية له، بل تتعدى ذلك إلى خطوات متقدمة في المجال الاقتصادي، والذي بات أمراً لا يمكن غض الطرف عنه، في ظل ظروف متغيرة بوتيرة سريعة جداً. وما نرمي إليه هنا ليس في مناقشة الرؤية، فواضعوها أولي خبرة واختصاص، بل إن ما نود طرحه هو إمكانية تحقيق تلك الرؤية عبر مثلث الإنجاز الذي ذكرناه بالمقدمة.

الضلع الأول: الرؤية إن الرؤية المقدمة قد تم صياغتها بعد تشاور من قبل المختصين والمعنيين في البلد، وبما هو مطروح منها، فهي تمثل غاية كل مواطن ينشد حياة كريمة يستحقها، فضلاً عن دوره التغييري في عالم اليوم. وخصوصاً مع تصاعد التحديات في مجال الطاقة والاستثمار، وغيرها من الملفات التي تمثل تحدياً متواصلاً للدول، وليس البحرين ببعيدة عنها.

الضلع الثاني: الآليات قد تكون حجة ضعف الآليات وارداً قبل ٣٠ إلى ٤٠ سابقة، أما الآن فإن التقنية والتطوير في آليات التنفيذ وأخذ المشاريع وتطبيقها على أرض الواقع أصبح ممكناً، بل ومتاحاً لدى الكثير من الدول النامية. وبالتالي تسقط حجة غياب الآلية أوضعفها، بل أن تلك الآليات أصبحت في متداول أيد الدول عبر مفاوضاتها الثنائية ومعاملاتها الاقتصادية والتجارية مع دول العالم المختلفة. وعند الحديث عن دولة خليجية كالبحرين، فإن الآليات والتقنية تتمتع ببيئة يمكن أن تكون أكثر من مميزة ومعلماً في منطقة الشرق الأوسط. ولا أدل على ذلك من توافر التقنيات وعقد الاتفاقيات مع كبرى الشركات في العالم في مجال الحاسوب والاتصالات، والتقنيات الصناعية المبتكرة، وما يمكن الحصول عليه أكثر مما هو موجود حالياً. وبالتالي يتحقق الضلع الثاني في تنفيذ الرؤية. فمن التالي؟

الضلع الثالث: الكوادر وتتمثل الكوادر في صفين، هما الصف الأول المتمثل في القيادات وماسكي الرؤية والمطالبين بتطبيقها والأخذ بها، والصف الثاني هو في الكوادر الوطنية التي يٌعتمد عليها في معايشة تلك الرؤية عبر عملهم وإبداعهم وابتكارهم وتفانيهم، بل وتنفس تلك الرؤية في كل يوم عمل، بل وفي كل سلوك يومي، لتصبح عقلية ممارسة بدلاً من رؤية اقتصادية مطروحة في المحافل الداخلية والخارجية.

وما يهمنا هو الضلع الثالث، والذي سيكون “الورقة الرابحة أو الخاسرة” لهذه الرؤية، بل ولكل مشروع يتم طرحه. فهل هناك كوادر مؤهلة لتبني الرؤية المطروحة للبحرين ٢٠٣٠م؟ تذكر التقارير من ديوان الرقابة المالية والتي تظهر قدراً واضحاً من الشفافية مقدار الخلل في العديد من الدوائر الحكومية، مما يسبب ضعفاً لا في الرؤية الموجودة ولا في الآليات المستخدمة، بل في الكوادر الماسكة بزمام الأمور، فالفساد المالي أو الإداري، لا يأتي من الرؤية ولا من الآلية التي ترسمها الرؤية، بل تأتي من الكوادر. لذا تم توضيح ذلك وبجلاء عند تدشينه للرؤية، عندما قال الملك بأن هذا البرنامج ملزم لجميع الدوائر الرسمية، مع أنه لها الحق أن تناقشه وتطوره… ونحن وجدنا أن الأفضل أن تكون لدينا آلية التواصل لإنجاز الأمور بصورة مشتركة، فالمسافات في البحرين قريبة، ومكاتبنا قريبة من بعضها بعضاً، ولدينا وسائل الاتصال المختلفة، فلا عذر لأي شخص أن يعمل في مسار لوحده خارج إطار الرؤية المطروح”.

وبالتالي، تم وضع النقاط على الحروف وبصورة واضحة جداً، ليكون العنصر البشري هو المسؤول عن تطبيق الرؤية من أجل العنصر البشري نفسه أي المواطن، حيث تابع الملك قوله: «الهدف من هذه الرؤية الاقتصادية للعام 2030 هو المواطن، الفرد البحريني، فالتنمية التي لا يكون المواطن هدفها لا فائدة منها ولا نريدها… إن المواطن هو الثروة الحقيقية في البلد، والمواطن البحريني اثبت ذلك في مختلف المجالات»।
وللوصول إلى ذلك، لا بد من نزع العقبات التي يشكلها بعض الأفراد، لتتحول إلى عرف مُعاش ومعوق أساسي في التنمية، ومن تلك المعوقات التي لا يمكن إنكارها، مع الاختلاف في طريقة معالجتها، هو التمييز الوظيفي، فلا يمكن التنمية مع وجود تمميز وظيفي يوصلنا إلى وضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب، وتبعات ذلك المالية والوظيفية والتطويرية وغيرها على الوطن والمواطن في نفس الوقت.

ويمكن الرجوع إلى تقرير منظمة “إنترناشونل كرايسز غروب” حول التمييز الوظيفي في البحرين، فضلاً عن معاينة يومية بسيطة تتوضح عبرها الكثير من صور التمييز التي تهدر الطاقات البشرية المؤهلة على حساب فئوي أو عائلي أو مذهبي أو سياسي. إذاً هناك خلل في مثلث المضي نحو الرؤية بالرغم من وجود الأخيرة، وهي الآن أوضح من ذي قبل، وبالرغم من إمكانية توفير الموارد، ومع ذلك يبقى السؤال حول إزالة عقبات التفكير الذي يقدم للمواطن الصورة السلبية ويُفقده الثقة بما هو مطروح، حين يرى أن لا بيت يؤيه، ولا يعمل يتناسب مع دراسته، بالرغم من وجود العديد من الفرص، حيث تكون الأبواب مغلقة ولا يمكن فتحها إلا برقم سري لا يملكه، نتيجة تكاثر تلك العقلية التي تريد أن تجر النار لقرصها فقط. ملفات التمييز، الفساد الإداري والمالي، والتحرك خارج إطار القانون والمسائلة لبعض الأفراد، يشكل تحدياً كبيراً في تطبيق رؤية نؤمن بها ونسعى لتحقيقها، فلا بد من إنزال “الهاند بريك” لتسير السيارة، فلا يكفي شحنها بالبنزين والضغط على دواسة السرعة إن لم يكن “الهاند بريك” قد تم إنزاله.

فهل تسير البحرين كما مضى ال٣٠٠، في خضم تحديات لتبقى؟ أم أن بعض قادة الجيش باتوا ينشرون التفرقة بين أفراده، لينقسم ال٣٠٠ إلى عشرات هنا وهناك، وبالتالي تضيع وحدتهم على الرؤية।، ولنصفى على فرقة تؤمن نظرياً بما هو مكتوب، وأخرى تسعى بإخلاص وهي قليلة لتطبيقها، وفرقة ثالثة تسابق الزمن لوضع أكبر قدر ممكن لمصالحها الخاصة

وللابتعاد عن سيناريو الفرق الثلاثة، ينبغي وضع كافة الدوائر الحكومية بلا استثناء في حالة تأهب وتغيير في بيئة العمل للقيام بتطبيق الرؤية، ويكمن ذلك من خلال تأسيس مكتب متابعة لتطبيق رؤية البحرين ٢٠٣٠ في كافة المؤسسات والدوائر الحكومية، فضلاً عن مساندة القطاع الخاص في تنفيذها، وذلك بالتعاون مع مجلس التنمية الاقتصادية. ومع وجود جيش جرار من التحديات والعقبات على المستوى الداخلي والخارجي، ينبغي أن تكون لنا روحية ال٣٠٠ لتتم الرؤية وتُستخدم الآلية وتعمل الكوادر
فهل يكون؟ أم سيكون الرقم ٢٠٣٠ مثل الرقم ٣٠٠، مجرد عنوان وسيناريو فيلم استمتعت بمشاهدته واستذكرته الآن،بعد أن صرفت سعر تذكرة المشاهدة وحسب؟

(١) مثال ذكره توماس فريدمان في كتابه” السيارة لكزس وشجرة الزيتون”، بما يتعلق بضرورة اللحاق بالمتغيرات المتسارعة في عالم اليوم.

*مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي.

Leave a Reply