المدونات الشخصية .. تنافس الإعلام الحر


المدونات الشخصية .. تنافس الإعلام الحر

تحقيق: محمود النشيط

11بدأ في الآونة الأخيرة انتشار متصاعد في العالم العربي لما يعرف بالمدونات، وذلك بعد أن شاعت في جميع أنحاء العالم، خصوصاً في أوساط الشباب الذين باتوا يتنافسون ويتفاعلون مع نظرائهم على الأرض من خلال هذه الوسيلة حيث يعرفون باسم (بلوغرز)، وتعني باللغة الانجليزية (لوغ)، وهو السجل الذي تدون فيه الأشياء بالتسلسل، و(بيوغرافي) أي يعني كتابة المذكرات الشخصية. وباختصار تعني الكلمة تدوينا إلكترونيا عبر صفحات الانترنت للمذكرات الشخصية.هذه الظاهرة وجدت مكانها بين الشباب البحريني، وبين بعض المشاهير في المجالات المختلفة، وأخذت في التطور لتحمل بين طياتها العديد من الموضوعات المسموح بنشرها أو المرفوضة، وذلك بأسماء أصحابها الحقيقية أو الوهمية، فاتحين المجال للتعليق عليها بحرية مطلقة بعيدة كل البعد عن مقص الرقيب، والقوانين الإعلامية التي تحدد بعض الاحيان ما يسمح بنشره من عدمه وفق الاستراتيجية الخاصة لكل مؤسسة وسياسة البلد. ويسجل تاريخ المدونات رغم حداثة العهد به العديد من المصادمات الأمنية والقانونية لنشره بعض المحرمات في رأي الحكومات مما صدر في حقهم أحكام بغلق مدوناتهم ومن ثم السجن، ومطاردتهم في دول أخرى، بل ان البعض استغل الاجواء المفتوحة في عالم الانترنت للترويج لشتى أنواع المعرفة المفيدة والضارة في الوقت نفسه، التي يتلقفها كل من يبحث عن حاجته على الشبكة.

وقد حملنا العديد من الأسئلة إلى العديد من مدوني البلوغرز على الشبكة العنكبوتية، فمنهم من تجاوب معنا على الفور في تعريف نفسه وصورته، ومنهم من فضل المشاركة متخفياً تحت أسماء مستعارة ومنهم من تجاهلنا كلياً من دون ذكر الأسباب، رغم أن الهدف من هذا التحقيق المساهمة في تعريف القراء على نوع من الوسائل الإعلامية الجديدة التي أخذت في الانتشار مؤخراً، بعد أن حول بعض الشباب في الولايات المتحدة الأمريكية مذكراتهم على الانترنت، إلى مكان لتبادل الآراء حول آخر المستجدات السياسية أو التكنولوجية أو الشخصية أو المعاناة الشخصية وغيرها.

حرية المواطن

121322مشاركنا الأول هو احمد رضي صاحب قلم واضح في التعبير الذي اتخذ المدونة لتوثيق الأعمال الفكرية والأدبية، حتى انتقلت مع أمواج التيار المختلفة لتطرح العديد من الموضوعات الاخرى، ويفتح صاحبها أحمد رضي المجال لكل الزوار بطرح آرائهم بكل حرية وشفافية من باب الحرص على التعرف على الرأي والرأي الآخر والذي يقول عن دافعه لإنشاء المدونة الشخصية: هو الرغبة في تسجيل وتوثيق الأعمال الفكرية والأدبية ونشر المقالات المتنوعة المنشورة هنا وهناك، والطابع العام للمدونة هو اجتماعي وسياسي وثقافي في نفس الوقت، ويميل إلى كشف الحقائق وطرح الملفات الساخنة ومناقشة القضايا المتعلقة بالحركة الإسلامية في البحرين بعين الناقد والباحث عن المعرفة.

وحول مدى مصداقية المعلومات والآراء المقدمة، وهل هي شخصية، أم أنها تأخذ مساحة من الاقناع للآخر، ومدى اعتبارها مصدراً يمكن الاعتماد عليه، أجاب رضي: الآراء والمعلومات التي أطرحها للرأي العام أضعها موضع البحث والمساءلة والنقاش المفتوح، وبعض الآراء هي نتاج تجارب شخصية معبرة عن تعاطفي مع قضايا المجتمع والوطن. ولعل تجربتي المتواضعة مع الصحافة والإعلام علمتني أن أطرح المعلومة الصادقة والموضوعية قدر الإمكان، خصوصاً في ظل حساسية بعض الشخصيات والمؤسسات من الكلمة الحرة والمستقلة.

ويضيف أحمد رضي: لقد سميت مدونتي اسم «سلاحي قلمي« كتعبير عن حرية المواطن في التعبير عن رأيه من دون خوف أو إرهاب من أية سلطة أو رقابة مسبقة، وبحكم اتهام المواطن العربي دائماً بالإرهاب وحمل السلاح في وجه العدو أو الأنظمة السياسية حتى لو كانت القضية مشروعة، فقررت أن أقول كلمتي وأرفع قلمي كسلاح سلمي في وجه الطغيان السياسي والفساد الاجتماعي، ومناصرة قضايا الشعوب الحرة وكل المصلحين وطلاب الحق.

وفي رده على سؤال أليست المدونات مجرد محلات الكترونية على الهواء، وكل يعرض بضاعته من دون ضمان الجودة المقدمة للقارئ؟ قال أحمد: المدونات هي تعبير صارخ عن حرية المواطن في التعبير عن رأيه وسط أجهزة إعلامية رسمية تعمد إلى التحفظ عند نقل الحقائق بشكل لا يعكس تطلع الشعوب إلى الحرية والعدالة الاجتماعية. وهناك بالطبع مدونات شخصية لا هدف من ورائها غير التعارف والثرثرة، والأمر في النهاية رهن إرادة القارئ الواعي.

التعبير عن الذات

أما صاحبة مدونة هذيان الحروف سعاد الخواجة فترى أن المدونات أتاحت إلى الأفراد التنفيس عن همومهم بصورة راقية يشاركهم فيها الآخرون بآرائهم، إلا أنها ترى أن إنشاء المدونات بقصد دوافع التدوين كثيرة وتختلف من مدون لآخر فهناك من يدون لأهداف واهتمامات سياسية وهناك من يدون ليحدث فارقا وتغييرا نحو الأفضل وهناك من يدون ليمد جسور التواصل بينه وبين العالم وهناك من يدون للتنفيس عن نفسه واكتشاف ذاته والحياة من حوله.

599117وأيا كانت دوافع وأسباب التدوين فالدافع المشترك لدى جميع المدونين هو التعبير عن الذات، المدونات أتاحت للجميع الفرصة لإنشاء عالمهم الخاص والتنفيس عن همومهم وأفكارهم ومشاركة الآخرين آراءهم وإبداعاتهم خارج نطاق الحدود الجغرافية. هي نوع من أنواع الكتابة مع فارق أنها أقرب للكتابة التفاعلية منها للمقروءة، فما تكتبه اليوم وأنت تقبع خلف شاشة جهاز الحاسوب في منزلك أو في اي مكان آخر يصل بكبسة زر إلى شتى أنحاء العالم وقد يجد صدى للآخرين فتصل إليك تعليقات من بلدان بعيدة ونائية لم تكن لتصل إليها من خلال أي مطبوعة.

وأضافت الخواجة: أفضل ما يميز التدوين هو تلبيته لنزوات وحالات الكاتب النفسية والمزاجية فأنت تكتب متى ما داهمتك الرغبة في الكتابة من دون التقيد بوقت أو نمط أو شروط معينة للكتابة، فالمدونة تعكس ملامح شخصيتك وتبقى صديقا وفيا يشاركك لحظات فرحك واستيائك كما أنها تحررك من قيود أي وسيلة إعلامية أخرى فالمدون هو الكاتب والمحرر ورئيس التحرير والناشر في الوقت ذاته. لا يوجد قوانين للمدون فان المدون هو من يسن ويضع القوانين ولا توجد جهة رسمية أو رقابة تملي عليك ما يجب أن تقوله أو تكتبه والرقابة الوحيدة التي تتحكم فيما تكتب هي الرقابة الذاتية. كل هذه الأسباب وغيرها جعلت المدونات تحظى بالانتشار والشهرة الحالية.

هي ملاذي الآمن

بالنسبة لي فقد كانت الكتابة ومازالت ملاذي الآمن الذي الجأ إليه لأنفس من خلالها عما يدور بداخلي وأفرغ ما في جعبتي من أفكار. المدونات هي مساحتنا الشخصية التي نعبر فيها ببساطة وعفوية عن أنفسنا، الواحة التي نستريح فيها لحظات لنضع جانبا كل ما يثقل كاهلنا من هموم وشجون، تتحرر الكلمات فندرك أننا أحياء ومازلنا نتنفس.

أما الذي ينتظره المدوّن من قراء مدونته فقالت سعاد: حينما بدأت التدوين قبل عام لم أفكر في القراءة ولم يكن مؤشر الزوار يعني لي شيئا فقد كان الهدف من إنشاء المدونة هو الفضفضة وإيجاد مساحة لاحتواء مشاعري وانفعالاتي الشخصية لذلك كانت تدويناتي أقرب للخاصة منها للعامة. ولكن مع مرور الوقت ومع ازدياد عدد الزوار والمعلقين بدأت أشعر بنوع من المسئولية تجاه من يتجشمون عناء المرور بالمدونة والتواصل معي للتعبير عن ارائهم حول ما أطرحه في المدونة من أفكار وموضوعات. لذلك صرت اليوم أكثر حرصا على انتقاء موضوعاتي، على احترام وتقدير الرأي الآخر حتى إن كان مخالفا لرأيي، فكثير من التعليقات والرسائل الالكترونية التي وردتني ساعدتني على إعادة تقييم كتاباتي وألهمتني أفكارا ومشاريع لم أكن لأفكر بها من قبل. قد لا أكتب دوما ما يتوقعه قراء المدونة مني ولكني كذلك لا أخيب ظنهم بالكتابة في أمور سطحية أو هامشية.

لقد لمست شخصيا ومن خلال إحصائيات الزوار ازدياد عدد الزوار من الدول العربية الأخرى وانتظامهم في قراءة المدونة مقارنة بالزوار من البحرين على الرغم من أن معظم المقالات والقضايا التي أتناولها في مدونتي تعنى بالشأن المحلي والثقافة والهوية البحرينيتين. وهذا ما يثبت أن المدونات تحظى بشعبية ورواج أكبر من الوسائل الإعلامية الأخرى من حيث تمتعها بثقة القارئ العربي لأنها تعكس بشكل مباشر الهوية والبيئة التي يأتي منها المدون من خلال ارائه وأفكاره. هذه الملاحظة جعلتني الآن أكثر اهتماما واعتناء بتناول ونشر الثقافة والتاريخ البحرينيين من خلال المقالات والصور التي أقوم بنشرها بين الحين والآخر، محاولة قدر الإمكان أن أنقل الواقع من دون رتوش أو تلميع. ما أنتظره من قراء مدونتي اليوم وغدا وبعد الغد هو المتابعة والتواصل فهما الترمومتر الحقيقي الذي أستند إليه لتحديد وجهة المدونة.

القدرات والإبداعات

ما هي الإضافة التي يمكن للمدوّن أن يسجلها في عالم القراءة الإلكترونية؟ قالت الخواجة: لم تعد المدونات حكرا على الناس العاديين أو تسجيل المذكرات الشخصية كما كانت في السابق فقد اتسعت رقعة المدونات لتشمل الصحفيين والأدباء والفنانين والمثقفين والسياسيين كما أن بعض رؤساء الدول قد أسسوا مدوناتهم الخاصة. حتى أصحاب الشركات والمؤسسات العملاقة أدركوا اليوم أهمية المدونات فأسسوا بالإضافة إلى مواقعهم الرسمية مدونات يشارك في التدوين فيها أعلى سلطة في هذه المؤسسات كوسيلة للتواصل المباشر مع العملاء الذين يعتبرون المصدر الأول والأساسي لديمومة هذه المؤسسات.

هناك الكثير من الإضافات القيمة التي يمكن أن يسجلها المدون في الفضاء الالكتروني من بينها تنمية القدرات والإبداعات ومد جسور التواصل بين الشعوب والأديان والثقافات الأمر الذي قد يؤدي للمزيد من التفاهم والتسامح من بينها. وبسبب سهولة إنشاء المدونات وسرعة النشر وتوافر التقنيات التكنولوجية الحديثة من نقل الصوت والصورة أصبح المدونون قادرين على نقل الخبر والصورة بشكل أسرع من وسائل الإعلام التقليدية خصوصا عندما يكون المدون في نطاق المنطقة الجغرافية للحدث وبالتالي أصبح بعض المدونات المورد والمصدر الأساسي لاستقاء الخبر، لذلك من المتوقع جدا أن تحظى المدونات بأهمية أكبر خلال السنوات المقبلة بسبب هذه المنافسة وقدرة المدونات على التأثير في الرأي العام وصنع القرار. كما أن اكتساح المدونات الفضاء الالكتروني وتزايد أعدادها في السنوات الأخيرة أفسحا المجال للمزيد من حرية الرأي كما كسرا احتكار الحكومات وسيطرتها على الأجهزة الإعلامية ولن يمضي وقت طويل في اعتقادي قبل أن تصبح المدونات سلطة خامسة.

الهايد بارك

414

من جانبه يرى الناشط جعفر حمزة أن الذي يُكسب المدونات حضورها هو خيار تغييب الكثير إن لم تكن كل الأطر القانونية والعرفية والأخلاقية والدينية التي تكون حاضرة في جانب آخر، وفي رده على سؤال هل تشكل المدونات الفضاء المسموح «الهايد بارك« الذي يغيب فيه القانون والأعراف والدين وكل شيء؟ قال حمزة: تمثّل المدونات إحدى النوافذ لعالم لم نصاحبه طويلاً منذ ظهوره وهو عالم الإنترنت، حيث مثّل ثورة في صياغة العلاقة بين الفرد ونفسه وعلاقته مع الآخر، حالنا مثل «أليس« التي دخلت «حفرة الأرنب« لتنتقل إلى عالم عجيب يغيب عنه القانون الفيزيائي والمجتمعي، وقبل الحديث عن «المدونات« وهي غرفة في مبنى عالم الإنترنت، لابد من التطرق إلى المبنى نفسه، فثورة الاتصالات لم تبدأ حين اُخترع الهاتف، بل بدأت حين تم إيجاد وصناعة عالم خاص لكل فرد بضغطة زر، لينتقل من شعور إلى منطق ومن هوى إلى غريزة، وهكذا أصبح الإنسان في هذا العصر، متنقلاً من حال إلى حال، فكيف تتصور إفساح المجال لمجموعة كبيرة من الناس بدخول محل للملابس وأخذ ما يريدون من دون مقابل؟ ستكون الفوضى والهَوَس بأخذ كل ما تطوله اليد حتى القدمان هو «الثيمة« المسيطرة في ذلك الوقت، وبعد فترة يتم اعلان إفساح المجال لدخول محل أطعمة وأخذ ما يودون من دون مقابل أيضاً، ستكون الفوضى بل قد يصل الأمر إلى الشجار في كثير من الأحيان ويكون سيد الموقف، وتستمر الحكاية، والحال هو نفس الحال في عالم الإنترنت الآن، حيث تبقى أعصاب المتصفحين مشدودة ومترقبة لكل «عرض« جديد يسمح لهم بدخول هذا المحل أو ذاك وأخذ ما يريدون بالمجان.

وتلك الحالة من «الانتظار« و«الاندفاع« و«الصدام« و«الاستمتاع« ومن ثم تُعاد الكَرّة مرّة أخرى هي معادلة «الجذب« التي لا تتوقف في العالم الافتراضي. وتمثل المحلات التي ذكرناها حالات مادية كالبضائع والخدمات وحالات فكرية كالعقائد والتوجهات والسلوك، لذا يكون مرتادو الإنترنت في حالة «غازية« دائماً، أي أن ذرات «إثارتهم« لا تتوقف على الإطلاق، ولا يكون ذلك إلا من خلال «لهب« يضمن بقاء حالة المادة الموجودة عند الأفراد في وضع «مُثار« دائماً، نقصد بالمثار هنا هو أي حالة تترتب عليها علاقة تواصل مستمرة بين الفرد والإنترنت.

ويواصل جعفر حديثه قائلاً: وتمثل المدونات إحدى صور ذلك «اللهب« المتقد، فبالرغم من وجود مثلث الاشتعال وهو الوقود والحرارة والأكسجين، فإن ذلك المثلث في الإنترنت لا وجود له، فليس هناك قانون أصلاً. وما يُكسب المدونات حضورها هو خيار تغييب الكثير إن لم يكن كل الأطر القانونية والعرفية والأخلاقية والدينية منها وهو ما يجعلها بمثابة «الهايد بارك« بل أكثر منه، فلا يجوز لك في «الهايد بارك« أن تشتم أو تتعرض للملكة، أما في المدونات بالإنترنت بصورة عامة، فليس هناك خط أحمر على الإطلاق، والفضاء مفتوح إلى أبعد الحدود، ونتيجة لذلك تظهر الكثير من الأفكار والسلوكات فضلاً عن نمو العديد من المرجعيات الفكرية الغريبة، وبعبارة أخرى فإن المدونات هي محلات مفتوحة على الهواء، ومقياس ربحها هو مقدار ما تقدم للفرد من قناعة أو فكرة أو سلوك أو خاطرة، ولا مجال لتلك المحلات بالخسارة، فلا أجر ولا انتظار لبضاعة، والدعاية لها بالمجان، وهو ما يشجع أصحاب المحلات «المدونات« على ابتكار الكثير من التوجهات فضلاً عن كونها «مرآة« لا تعكس بالضرورة حقيقة صاحب المحل، بقدر ما تعكس ما يود أن يكون عليه، وبالتالي فنحن نتعامل مع أطروحات متنوعة ومختلفة في مدونات لا يحكمها منطق بالضرورة، ومن هنا تكمن الصعوبة في التعامل مع المدونات بناءً على «منطق« أو «دين« أو… ولئن كانت المدونات للبعض تمثل «نافذة« شخصية للعالم، فإن البعض يجعلها نافذة من واقعه للعالم، وهو من أخطر المدونات وأشدها أثراً، لأنها ستكون نافذة في جدار ممنوع، وإذا رأيت جداراً كبيراً ولا نهاية له، وفيه فتحة صغيرة فإن الفضول يدفعك للنظر من خلاله، وخصوصا إذا تناهى إلى سمعك أصوات من خلف ذلك الجدار. وهو بالفعل ما يُزعج البعض ليستدعي قواته ليس «لغلق« الفتحة، بل «إبعاد« الناس عنها و«معاقبة« من فتحها.

الخط والمساحة

ومن الأمثلة على ذلك في عالمنا العربي هو المدون «أحمد محسن« صاحب مدونة «فتح عينيك« الذي تم اعتقاله في احدى الدول العربية بسبب كشفه لممارسات التعذيب لوزارة الداخلية بمحافظة الفيوم، فبالرغم من غياب كل القوانين الفيزيائية من الزمان والمكان، والقوانين العرفية والدينية، فإنه مازال هناك قانون لا يستطيع «مصادرة« المحل الإلكتروني لكن بإمكانه أن «يُوقف« صاحبه.

هل تشكل المدونات الجدران التي يمكن لأي أحد أن «يخربط« عليها من دون أن تأتي قوات الشغب لمحوها؟ وما دلالات ذلك؟ أجاب حمزة: «الخط« و«المساحة« هما الأداتان الأوليان للفرد ليعبّر عن رأيه وتوجهاته «غضباً« «فرحاً« «كرهاً« والقائمة تطول. وما انتشار المدونات في العالم العربي إلا نتاج الغياب الحقيقي للخط والمساحة المعبرة عن الفرد تارة أو نتيجة «تطلع« الفرد إلى ما هو أبعد من الموجود تارة أخرى،أو تعبير عن الذات وهو مسألة إنسانية عامة تجدها في العالم العربي أو الغربي على حد سواء. وعند الحديث عن الفضاء المحلي، فإننا نعتبر المدونات هي بمثابة الجدران التي تستدعي المدونين للكتابة أو الرسم أو التعليق عليها، فقد أصبحت هي الفضاء المشاع التي لا يحددها عدد الكلمات أو مقص الرقيب أو الإخراج الفني، وبذا تصبح المدونات «الجدران« هي الخيار الأنسب والأفضل لـ «قيس« ليكتب عليها عبارات الحب لليلى، أو يخط ثائر كلمات المقاومة والكرامة، أو يتلثّم طائفي ليذبح الوطن باسم الدين، وهكذا تصبح الجدران بين «عاشقة« و«ثائرة« و«طائفية«.

وأعطيت كل الحرية للصحافة لأن تكتب ما تشاء – على سبيل المثال – فإن الجدران «المدونات« مازالت الخيار المفضل، فالوقت والحدث والصياغة والصورة والتقديم كلها مُلك يمين من يحمل «الرش« أعني صاحب المدونة، ولا يمكن الاعتماد على قوات الشغب لمحو كل العبارات والرسوم، فالجدران لا تنتهي، ولا يمكن حراستها كلها، إذ تتطلب جيوش العالم لتحرس كل جدار لكي لا يُكتب عليه.

أكسجين الحرية

وعنها قالت المدونة حياة فخرو إن المدونات تنتشر بشكل سريع ولها تأثير لا يستهان به، وبدأت تنافس الوسائل الإعلامية الأخرى، أما أسباب إنشائها مدونة خاصة والآخرين كذلك لأن المدونة هي مساحة حرة من خلالها يطرح المدون افكاره وتجاربه الشخصية والحياتية ورؤيته لما يدور حوله ومن خلالها يطور مواهبه الذاتية وعلاقته مع الآخرين. كذلك هي ملاذ يلوذ إليه الإنسان بعيدا عن الواقع الخانق وبعيداً عن أسنان الوحوش التي تصادر حقه في التعبير عن آرائه ومواقفه وبعيداً عن الوصاية السياسية والدينية والفكرية التي يفرضها البعض على عقله.

اما بالنسبة لجودة ما تطرحه المدونات ومدى مصداقيتها فقالت فخرو: هذه الأمور نسبية ومتفاوتة كما هو الحال مع الكتب وغيرها، وأرى أن المدونات تنتشر بشكل سريع ولها تأثير لا يستهان به، وبدأت تنافس الوسائل الإعلامية الأخرى وخصوصا المواقع والمنتديات والصحف الالكترونية وكذلك غير الالكترونية وهذا مؤشر يدل على وعي الإنسان وحاجته للتعبير عن نفسه وطرح ما يهمه ويهم مجتمعه.

أتمنى النضج أكثر وأكثر لتجربة التدوين في البحرين الحبيبة، وأتمنى أيضا أن يتم استغلال هذه الوسيلة خير استغلال لخدمة الآخرين، وأتمنى على أعداء الحرية المسؤولة والإيجابية أن يتركوا لنا هذه المساحة الحرة لكي نتنفس من خلالها أكسجين الحرية.. الحرية التي كفلها لنا الدستور والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وحول إخفاء بعض المدونين شخصياتهم قالت فخرو: ان المدون في الغالب يتجنب الكشف عن هويته بشكل علني وواضح لكي لا يتعرض لأي سوء ولكي لا تقيد حريته، فأنا في مدونتي أمارس وأتمتع بإنسانيتي وحقوقي التي يراها البعض جريمة يعاقب عليها.

كذلك لا أعتقد أن القراء يهمهم أو يعنيهم التعرف على صورتي ومعلوماتي الشخصية، فأنا من خلال المدونة أهدف لعرض أفكاري ومواقفي، وليس من أهدافي، الشهرة أو البحث عن زوج أو ما شابه ذلك، لكي أعرض صورتي ومعلوماتي الشخصية. فأنا في المدونة مجرد صوت أود أن يسمعه الجميع ويهتم بمحتواه ويفهم رسالته. ومن يرد أن يعرف المزيد عن شخصيتي وأفكاري فبإمكانه التأكد من ذلك عندما يزور مدونتي، لأني سأنقل هذا التحقيق إلى مدونتي وسأكتب رأيي وسأثبت أني صاحبة المدونة والكلام المنشور باسمي.

شخصيتي مجهولة

من أصحاب المدونات الذين أرسلوا لنا باعتذارهم عن المشاركة مع طرح الأسباب صاحب مدونة (قاسي مشاعر) الذي يقول انه يفضل أن تكون شخصيته شبه مجهولة للذين لا يمتون له بصلة ومعرفة شخصية. ويضيف قاسي مشاعر: أتشرف باختيارك لي ضمن مجموعة المشاركين في التحقيق، وأنه لشرف لي الوجود على صفحات جريدة كـ «جريدة أخبار الخليج«. إلا أنني أتمنى أن تقبل اعتذاري عن عدم المشاركة والسبب وجود مواضيع وآراء خاصة وشخصية جداً مكتوبة في المدونة قد يفسرها البعض بالتفسير الخاطئ عند قراءتها وخصوصا مع وجود صورتي الشخصية والاسم وعنوان مدونتي في التحقيق ومعرفتهم صاحب المدونة ومن وراء هذه الكتابات والمواضيع. لذلك أفضل أن تكون شخصيتي شبه مجهولة للذين لا يمتون لي بصلة ومعرفة شخصيتين. وأتمنى أن تتقبل اعتذاري بصدر رحب وتقدر رغبتي على الرغم من شرف وجودي على صفحات جريدتكم.

* صحيفة أخبار الخليج، العدد 11155- الثلاثاء، 8 شوال 1429 هـ، 7 أكتوبر 2008 م.

http://www.aaknews.com/ArticlesFO.asp?Article=262514&Sn=INVS

http://bahrain.maktoobblog.com

Leave a Reply