إعادة هندسة العلامات التجارية: من العلامات العالمية إلى الأسواق المحلية

شدتني هذه الصورة كثيراً برغم بساطتها، لذا دعني كمتلقّي أحلل هذه الصورة في تركيبتها العميقة والبسيطة في عرضها. لقد تركت العلامات المعروفة بصمتها أينما حلّت برسالتها وحضورها وصورتها المعيارية، وتجاوزت الحدود والأعراق واللغات وحتى الأديان.

ذلك التجاوز استمدّ قوته من ماكينة البراند والزخم والاستمرارية في الحضور، مما جعل تلك المنتجات تمتلك تصوراً ذهنياً عالي المستوى عند الجمهور المستهدف.

ومع تضخّم ذلك الحضور وقوته للعلامة، حتى إذا ظنّ أهلها أنهم قادرون بها وعليها، نزلت عليهم ردات الفعل حينما تتخذ تلك العلامات موقفاً قد يُغضب جمهورها، ولا أدلّ على ذلك من حملات المقاطعة بسبب الدعم الذي تقوم به بعض الشركات لجيش الاحتلال الصهيوني في مجازره ضد الشعب الفلسطيني في غزة، والمقاطعة هذه المرة لم تقتصر على العرب أو المسلمين بل امتدّت في عُقر دار تلك الشركات، وقد سمعنا ما جرى لبعض موظفي غوغل من تسريح لهم بسبب مواقفهم المناهضة لشركتهم الداعمة للاحتلال الصهيوني.

وهذا دليل على قوة حَلَقة المستخدم، سواء كان مستهلكا أو موظفاً في جبل البراند. وعوداً للصورة والتي تبين عالماً معقداً وليس بالضرورة أن تكون من ضمن ملامحه التنافر، بل التعايش حتى!

فالصورة من إحدى شوارع شمال طهران بجمهورية إيران الإسلامية عام 2017، والعلامة لشركة نايكي الأمريكية، وتمر أمامها سيدة إيرانية ترتدي لباساً له دلالاته الدينية المعبرة عن الالتزام بالقيم الخاصة بتوجه هو الأكبر في تلك الدولة.

ذلك التمازج المتقارب لا المتنافر لا يعني بالضرورة الذوبان كما لا يعني الفراق، فشركة نايكي على سبيل المثال أطلقت قبل عقود غطاء للرأس خاص بالنساء المسلمات اللاتي يمارسن رياضة السباحة، بسبب وجود سوق فرض نفسه. هذا التقارب الرمزي والثقافي قد يكون مدعاة لعمل الهندسة العكسية للبراند Brand Re-engineering وذلك من خلال اتخاذ نقاط القوة للمنتج وتحسينه وتوظيفه ليكون خاصاً بمجتمع محلي ما، وربما ينطلق للعالمية كبديل.

فهناك بعض المبادرات من شركات أفريقية تعمل على إطلاق أحذيتها الرياضية الخاصة للقارة الأفريقية، منها أحذية Bathu وفي ذلك السوق الأفريقي فرص ما زالت مغيبة حتى عن أصحاب القارة أنفسهم!

لذا، أرى أهمية التقارب من أجل الفهم والتوظيف الذكي للهندسة العكسية، لتتعدد الخيارات وترتفع الجودة وتُصنع العلامات المحلية لتتوسع لتكون إقليمية وحتى عالمية. كانت “فُلّة” علامة تعدت الجغرافيا بطلتها ودميتها ومنتجاتها وأناشيدها، لكنها لم تستمر، والأمثلة كثيرة.

ما نحتاجه ليس فقط علامات تعكس هويتنا الخاصة، وإنما تكون تلك العلامات سبيلاً للتعايش والتفاهم والتقارب مع تجاوز الجغرافيا والعرق واللغة وحتى فروقات الدين. كما تسعى الشركات العابرة للقارات لوجود نسخ مكررة من جمهورها في كل بلد لتتسع وتتضخم وتكبر إمبراطوريتها، فعلى الشركات المحلية أن تعمل على مساحة الهوية والقيم بالتزامن مع قوة الجودة وقوة الحضور، وبهذا تكون المنافسة حاضرة والتنوع المنطقي لسوق تبتعد عن أُحادية اللون بسبب سيطرة الشركات الكبيرة.

ما أراه بالصورة هو تحدٍّ وفرصة:

. تحدي، بأن تكون تلك الشركات الديناصورية فارضة لحضورها بقيمها ورسالتها بغض النظر عن محلية السوق وما يعني ذلك من احترام لتلك الخصوصية.

. فرصة، للبدء بالهندسة العكسية بل والابتكار لتقديم علامات تزاحم تلك المعروفة وتقدم خيارات جديدة للجمهور، ليس لجمهورها المحلي بل يمكن أن تتعدى لتصل للجمهور الإقليمي والعالمي أيضاً.

Leave a Reply