“عدتُ لبتلكو”!

جعفر حمزة*

التجارية ١٨ يونيو ٢٠٠٨
تخطّى مراحل متعددة من الاختبارات والمقابلات حتى وصل إلى المرحلة النهائية التي تؤهله لشغل الوظيفة التي تقدم إليها في الشركة، وكان قراره بصرف النظر عن العمل في تلك الشركة “مفاجأً” للمعنيين بالأمر، فبعد كل تلك المراحل يقرر صاحبنا وبقناعة تامة لا تتزعزع عدم الإنخراط في جسم شركة بدء بعض موظفيها بالهجرة إلى مجتمعات عمل “أخرى”، فضلاً عن “ترسّخ” لصورة سلبية بدت بالنمو والإنتشار بعدما كانت “برعماً” ترك انطباعاً سلبياً للمجتمع المحلي في أكثر من موقف. كانت تلك قصة أحد المتقدمين لشغل وظيفة في شركة ” بتلكو”، والتي نقلها لي أحد موظفين الشركة بعد تقديمه لي صورة مفتتة من الداخل لجسم الشركة والتي تمثل بعضها في انتقال الموظفين إلى شركات أخرى للبحث عن جو يحفظ خبرتهم ويقدر جهودهم، فضلاً عن حفظ ماء وجوههم الذي بدا “مُراقاً” في شركة كان من الأولى أن تحتضن موظفيها وعامليها كونها تمثل نسقاً وطنياً وصورة تفاعلية أولى في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية في البحرين. إنّ التحوّل في صورة “بتلكو” من دائرة التفاعل النسبية نوعاً ما -والتي كانت أمراً لا بد منه-إلى دائرة “النفور” و”الابتعاد” يمثل “فشلاً” بامتياز في مجال الأعمال والتسويق. وتدفع الشركات التي تريد التميز والاستمرار الكثير من الأموال والجهود والأبحاث لتعزيز صورتها بين مستعملي خدماتها، وتزداد أهمية تلك الخطوات اتساعاً مع وجود منافسين في السوق، وبالرغم من “تميّز” بتلكو بالأسبقية في تقديم الخدمات للمواطنين ومعايشتها معهم أكثر من عشرين عاماً، إلا أن تلك الفترة قد انتابها الكثير من “المطبات” في العلاقة بين الشركة ومستعمل خدماتها، ومن بين تلك المطبات: أولاً: التحكم في نوعية وسعر الخدمات المقدمة طوال فترة وجودها في السوق دون منافس، وهو ما زرع صورة لم تتميز بالإيجابية على الدوام. ثانياً: التجربة السلبية خلال فترة الاحتقانات التي شهدتها البحرين في التسعينيات، حيث كانت الشركة تقوم بإغلاق النوافذ الإلكترونية التي تم اعتبار الكثير منها “خارج إطار القانون” في حين كان بعضها يمثل ” صوتاً حراً” يعبّر عن آراء الكثير من طبقات المجتمع. وكانت نتيجة ذلك تعزيز “مضاعف” لصورة بتلكو السلبية “Negative Image”. حتى أصبحت مادة لصناعة “القفشات والنكت” وفاكهة غير مرغوب بها في الكثير من المجالس، ولئن كان بعضها “يتطرف” في وضع سلبياتها على الطاولة إلا أن البعض الآخر كان يعبّر عن حقيقة يعشيها المواطن. ثالثاً: السياسة الإدارية للشركة في قضية الــ ٤٤ موظفاً، والتي أصرت الشركة على عدم إرجاعهم للعمل بألف حجة وحجة، وتلك القضية هي “الشعرة التي قصمت ظهر البعير” فيما يتعلق بصورة الشركة الموجودة في المجتمع. وبعد تضامن نقابات بعض الشركات مع الموظفين المفصولين، بدت “بتلكو” في تخبط آخر وكأنها “تفقأ عينيها بيدها”، حيث ربطت مقاطعة خدماتها باحتمالية تسريح جديدة لبعض موظفيها. وتلك “مقارعة” بعيدة عن أبجديات التسويق والتواصل والصورة المقدمة للسوق، خصوصاً مع استمرار الرسائل الإعلامية التي تقدمها الشركة والبعيدة عن ملامسة زبائنها، فمن “التواصل عادتنا” والتي أثبتت التجارب مع الشركة بُعدها عن هذا المفهوم إلى الحملة الجديدة بافتتاحية لعبارة “عدتُ لبتلكو” مع صور لزبائن “رجعوا” للشركة نتيجة “خدماتها المميزة”. كل تلك الصور المقدمة تمثل “انفصاماً في هوية الشركة”، وعملية التسويق والاقتراب من الزبون تستلزم حلولاً عملية وتواصلاً حقيقياً لتتعزز صورة الماركة في الحياة اليومية للفرد، وتزداد أهمية هذا الحديث عند تناول خدمة تمثل جزءً من حياتنا اليومية “الاتصال” سواء عبر الهاتف بنوعيه أو الإنترنت. ولا يكفي “التبرّع” لبعض الجهات لأجل الظهور في الإعلام، في حين “تقطع” الصلة الحقيقية بالمجتمع بتهديد أرزاق” أفراد في المجتمع وانتهاج “سياسة التعنّت” وبصوت عالٍ. تسعى الشركات التي تريد أن تعزز حضورها في حياة الفرد اليومية لجعل موظفيها ينشرون قيمها بقناعة، ويتمثل ذلك في تغيير مفهوم “الموظف” ليكون فرداً من عائلة تحت سقف واحد وهو “الشركة” بقيمها وثقافتها ورسالتها، وبالتالي ينعكس ذلك عبر نشر الصورة الإيجابية للماركة في المجتمع، وهو ما ينعكس على “توجه” أكبر للأفراد نحو هذه الماركة دون غيرها. ذلك الأمر تقوم به الشركات الناجحة حول العالم، وتبتعد قدر الإمكان من “خدش” صورتها، لذا تسعى وبجدية لتكون علامتها التجارية ذات سمعة وحضور فاعلين، والحديث يدور حول شركات في معظم دول العالم مع وجود منافسين آخرين ينتهجون نفس السبيل، فما بال شركة تركت صورة سلبية عنها بخصوص فصل الموظفين الـ ٤٤، في حين تفتتح حملتها الإعلانية الأخيرة بالقول “عدتُ لبتلكو”؟ مع وجود الأسباب التالية، لا نعتقد بأن “بتلكو” تملك الصورة الإيجابية التي تتوقعها: أولاً: تراكم التجارب السلبية حول الشركة من الداخل والمتمثل في حركة البحث عن موقع قدم خارج الشركةليس نتيجة بحث طبيعية بقدر ما هي “فرار” منها، ومن الخارج نتيجة التجارب السابقة والحالية في مجال الكثير من الخدمات. ثانياً: وجود خيارات أخرى يمكن للفرد الأخذ بها، وذلك لوجود شركات اتصال متعددة سواء في مجال خدمة الهاتف المتنقل أو الثابت. وهو ما فتح المجال للتنفس دون “وضع البيض في سلة واحدة” وهي سلة بتلكو. ويخطأ إنْ ظنّ البعض بأنّ منتجات وخدمات الشركة الحالية والمستقبلية ستكون كفيلة بضمان “ولاء” الزبائن لها، وذلك من الأخطاء الرئيسية التي تقع فيها الكثير من الشركات حول العالم، وتسعى الشركات التي تريد التميز والنجاح لتلافي ذلك التصور الذي ذكره الكاتب “Matt haig” في كتابه “Brand failures”. وهو الأمر الذي على بتلكو التفكير فيه لتوسيع قاعدة مشتركيها، ولا يكفي القول “عدتُ لبتلكو” إن كان من يعمل فيها خارج منها، ومن هو خارج عنها لا يفكر فيها، ولو أُتيح المجال لتغيير مشغل الخدمة لزبائن بتلكو دون تغيير أرقامهم لرأينا أرقاماً جديدة لعدد مشتركي بتلكو، ولسمعنا نغمة أخرى في الكلام. والحق يُقال بأنّ الحكومة ساهمت في تقديم تلك الصورة وفي تعزيز تلك الأزمة بلحاظ حضورها الفعلي والمالي في الشركة، ومع استمرار ذلك النهج، على بتلكو أن تُبقي الحملة الإعلانية الأخيرة “عدتُ لبتلكو” كما هي دون تغيير سوى استبدال الأشخاص الحاليين إلى ذوي البشرة البيضاء والشعر الأشقر ليسر من لديه عقدة نقص تُفتت المجتمع وتهز الكفاءة الوطنية لتقديم ما لديها في رفع الاقتصاد الوطني. وإلى أنْ يحين الوقت الذي تمثل فيه الشركة “خياراً” مفضلاً للمتميزين من أبناء هذا الوطن في مجال العمل، يبقى السؤال عن المقصود في خطاب “عدتُ لبتلكو”؟!

* مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرف

Leave a Reply