عرض لكتاب “الأوريغامي” بقلم الدكتور حسين أحمد سلمان

 

عرض مختصر لكتاب الباحث الشاب جعفر حمزة

بداية أتقدّم بالشّكر الجزيل للأخ الباحث الشاب جعفر حمزة لإتاحته الفرصةَ ليَ لقراءة هذا المُصنّف المُمتع في موضوعه وغرضه،

يُسعدنيأيّها الإخوةُأنْ أعرض الجوانب الرئيسية التي يتناولها الكتاب، مع التطرّق إلى الإشكاليات التي يطرحها المؤلّف من دون مناقشتها ، وسبر أغوارها مع بيان وجهات نظري الخاصة.

محتويات الكتاب

يقع الكتاب في ثمان وثلاثينَ ومئةِ صفحةٍ(138) ، ويحتوي على ثمانية عشر(18) فصلاً تأمليّاً (ص6-8 )وفقاً لتصنيف مؤلّفه؛ في قوله محاولة لفتح أفق حديث وتحريض واضح على التأمّل والتدبّر من زوايا مختلفة تشتبك مع الآيات والقصص والموضوعات القرآنية، …”الطبعة الأولى 2013، الناشر فراديس للنشر والتوزيع ، مملكة البحرين.

الناظر في عنوان الكتاب لأوّل وهلة تنتابه الدهشة والاستغراب؛ بيد أنّ هذه النظرة تزول تماماً عندما يقلّب صفحات الكتاب ويقف على معنى العنوان فيقول الباحث :”الأوريغامي origami ، هو فنٌ ياباني لطي الورق، فمن ورقة عادية يمكن أنْ يخرج منها ألف شكل و شكل، وتحوي الآيات القرآنية التي تحتضنُها كلُّ صفحةٍ من القرآن قدرة هائلة من المعاني ، والدلالات التي لا تنتهي، لذا كان القر آن الكريم صالحاً لكل زمان ومكان

لقد وفق الباحث كثيراً في هذه الاستعارة اللطيفة في الربط بين محتويات الكتاب وعنوانه؛ اعتماداً منه على عنصر التشويق الذي يحفز القارئ على متابعة القراءة في العمل الإبداعي، وهـو من أسهل الطرائق لتحـديد موضوع الكتاب؛ فالعنوان هو جــــزء لا يتـــجزأ من مضمون النص أو الكتاب ، أو يمكننا القول: هــو المدخل الذي يلجُ منه القارئ أو المُتلقِي ، أو هو بمثابة الكلمة المفتاحية. وهنا نجد العِلاقةَ المتينة بينه وبين المضمون

الدّافع إلى تأليف الكتاب:

موضوع الكتاب، واضح كما جاء على صفحة الغلاف تأملات قرآنية معاصرة، وفي مقدّمته قال الباحث : ” وتأتي دعوة التأمّل والتدبّر من نفس الكتاب المقدس وهو القرآن الكريم، كلام الله تعالى، وكلّ نص له قابلية تأويله، مما خلق تعدداً في المدارس الفكرية والمذاهب، وهذه طبيعة بشرية راسخة،فلكلٍّ منّا نافذته التي يطل عليها لنفس الغرفة المقدّسة وهي القرآن الكريم، ويكون مدار الحديثعن نفس الغرفة لا غيرها.ومع وجود نص ديني مقدس وهو كلام الله الموجود في القرآن الكريم، ومع وجود نصوص أخرىمن السيرة تفسر كلام الله تعالى، تبقى الدعوة للتأمل والتدبر مفتوحة. وهذا ما يميّز الإسلامعن غيره، فليس هناك نص وقفي يلزمه فهم وقفي أ يضا في كلّ القرآن الكريم، بل هناك مساحةللتدبّر والدخول في عمق بحر يُجلّ في كلام الله تعالى، والحديث هنا عن كلام الله تعالى وعمليةالإسقاط الحركي لآياته في حياتنا المعاصرة، وليس لتلك التي لها جنبة تشريعية واضحة ومثبتة.وهذا ما ينسف أي سلوك كهنوتي يُبعد العقل عن التدبر والتفكير ويحصر الأمر على فئة دونأخرى.ومن منطلق الآية الكريمة ” :أَفَلَا يَتَدَبَّرُ ونَ الْقُر آنَ ،أَمْ عَلَى قُلُوبٍ ،أَقْفَالُهَاسورة محمد ، الآية 24

تأتي هذه التجربة المتوا ضعة من فرد مسلم مؤمن بتحرير الطاقة الكامنة في التفكير والتمثيل العملي للآيات في كل عصر ومِصر” (انظر :ص10)

ويفصح الباحث حمزة عن الدافع النفسي الذي كان وراء تأليف كتابه، وجمع مادته فيقول في صراحة مستحبة، وأسلوب رقيقإنّ بذرة التأمّل والتدبر انطلقت قبل عام كاملبصورة بسيطة في صفحتي الشخصية في الفيس بوك، وكان التفاعل متواضعاً؛لتكون المساحة الجديدة للتأمل ونشرهعبر مجموعة شبابية باستخدام برامج التواصل في الهواتف الذكية. وكان شهر رمضان قبل عاممن نشر هذا الكتاب هي البيئة الخِصبة للتأمّل وزراعة الأفكار و نشرِها، ليكونَ الحصادبعدحَوْل كامل في شهر رمضان جديد1433″ (انظر ص11)

والأسئلة التي يحاول الإجابة عنها هل هناك طريقة محددة لفهم هذا الكتاب واستيعابه؟ هل ثمة ضــوابط للتعامل معه ، أو أنّها ساحةٌ مفتوحة للجميع لكلٍّ أنْ يُدلي فيه بدلائه من دون أية ضوابط علمية أو معرفية أو شرعية؟ هل هناك نظرية معرفية تجريبية في الكتاب المقدّس؟ وهذا الكتاب اليوم كيف نفهمُه ونتبصرّه؟

وخلاصة القول: إنّ هذا الكتاب يدور في مجمله حول إنّ النص مفتوح على التأويل والاجتهاد، والاستنطاق الدائم

وقد صدّر المؤلف كتابَه بإهداء يغلب عليه التأنق اللفظي حيث قال فيه:” إلى الإنسان المتحرّر من صندوقه الأسودلينطلق في ميادينالحياة بِنَفسٍ جديد كل يوم..

إلى الإنسان المسلم المالك لأعظم طاقة فكرية ومنهج حياة فُضلَى

مرسومة في كتاب سماوي خالد.

إلى مَنْ يمتلك الخارطة الجينيةبحياة دنيا و آخرة..

أقدّم هذه النافذة الصّغيرةعلى تلك الخارطة العظمى… (انظر ص5

إنّ محاولة الباحث حمزة هذه جاءت من خلال اعتقاده الراسخ ، الذي يُشاركه فيه الكثيرُ من الباحثين والمفكّرين من أمتنا بضرورة عودتنا لامتطاء نواصي البحث عن طريق توظيف أدواته من أجل فهم آيات القرآن الكريم واستجلاء معانيها واستنطاقها ، واحسبه أنه انطلق من قول الرسول (ص): «ظاهره أنيق وباطنه عميق»[ انظر : تفسير العياشي 1 : 3 ]، ونحو قوله (ص) «لا تحصى عجائبُه ولا تبلى غرائبُه»[ انظر: الكافي 2 : 599 ].

وكذلك من قول الإمام علي (ع) «ذلك القرآن فاستنطقوه، ولن ينطق، ولكن أخبركم عنه: ألا إنّ فيه علمَ ما يأتي، والحديث عن الماضي، ودواء دائكم ونظم ما بينكم»[انظر :نهج البلاغة، الخطبة: 158. ]. ، وقول الصّحابي الجليل عبد الله بن مسعود(رض): ” ثوّرُوا القرآنَ ؛ أي أثيروا القرآن و استخرجوا خيراته ؛ وهي العلوم التي تضمنتها آياته الكريمات ؛ ليكونَ الإنسانُ في حوار دائم مع الوحي. وقد قال صاحب مجمع بحار الأنوار” “من أراد العلم فليثور القرآن؛ أى لينقر عنه ويفكّر في معانيه وتفسيره وقراءته. وأثيروا القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرينويستثير فيها من الفوائد. أى يستخرج . { ص 148 ج1}

أهمية الكتاب :

وعن أهمية هذا الكتاب إنه عمل يسعى به مؤلّفه إلى تمهيد سبل البحث ضمن مجموعة من المُعطيات التي يتطلبها العمل الـــفكري ، الذي ارتبط بأشخاص لهم قدراتهم وطاقاتهم، وإمكاناتهم الفكرية، ولست مُغالياً إن قلت: إنّ الباحث الشاب جعفر حمزة أحد هؤلاء .

إنّ المؤلف الكريم استطاع أنْ يقدم لنا مادة جديدة في موضوعه على قدر كبير من الأهمية، ويسجّل له بساطة السّرد ووضوحه، و وتمكنه من معالجة موضوعاته المطروحة وفق المنهج الذي اعتمده؛ لذا نلمس قدرته على فهم ما قرأه، والقدرة على تحديد موضع المعلومات المختلفة التي جمعها، واختيار المادة ،وتقويمِها وتنظيمِها ، والاحتفاظِ بها ، وإدراك الأفكار الرئيسية لها.

الرأي الشّخصي حول الكتاب

لاشك أنّ الباحث بذل جهداً مضنياَ في إعداد هذا الكتاب بهذه الصّورة الجديدة،وحاول أنْ يجذب القارئ والمتلّقي ذا الثقافة البصرية إلى تلك المساحات الخالية التي يعطيها التجريد والحروفية خاصة طابعا يتجاوز الانطباع ،والتعبير المباشر، ويمنحها قوة الإشراق والتواصل الوجداني من خلال دمج خطي الثلث والفارسي وبتنسيق لوني بديع جداً ، وكل لوحة منها تحمل دلالة معينة مستوحاة من مضامين الآيات القرآنية التي تناولها الباحث.

أعدّه

د. حسين أحمد سلمان

Leave a Reply