الخلطة السريّة


جعفر حمزة*

تقاطروا زُرافات ووِحداناً لعلّهم يظفروا بنصيب الأسد أو أقلّها نصيب الأرنب من “طبخة” خبير ياباني أعّد العدّة وأنذر نفسه لمن حضر بأن يكشف “سر الخلطة” التي “استأثر” بها اليابانيون ليكونوا في المقدمة وبمذاقهم الخاص.

“كايزن” كانت الخلطة السرية التي كشفها القادم من الشرق، وهي ليست بطبق شعبي أو خضار معدلّة وراثياً أو فاكهة لا تُزرع إلا في اليابان، وهي ليست بجهاز متطور أو رقاقة إلكترونية ذكية، ليس هذا ولا ذاك. وليس عجباً إذاً أن تشرأب أعناق الحضور الذي يربو على المائة والثمانون طوال ثمان ساعات دون أن ألحظ عيناً ناعسة أو أخرى متململة، فالكل كمن مسّه النشاط وأعتقه من جمود روتين اللقاءات والندوات ودوام العمل، ليقترب الحضور من معرفة إحدى أهم الخلطات السرية التي ساهمت في تطوير وتقدّم اليابانيين، وجعلتهم في مصاف المجتمعات التي تقود العالم تقنياً وعلمياً وفي أسلوب التفكير أيضاً.

وإن كان الأمر كذلك، فليس بغريب أن نرى إحدى خلطاتهم السريّة تُقدّم للعالم، ومن قبل أحد أكبر طهاتها، وهو البروفسور “فوجيتا” الذي يقوم بالتدريس في جامعة “واسيدا” اليابانية بطوكيو. والذي قدّم عرضه بدعوة كريمة وفي محلها من “تمكين”. (١)

فما هي خلطة “كايزن” تلك؟ وهل لها دور في جعل اليابانيين نشطين دوماً، وهل هي بالفعل الخلطة السرية التي تجعل الموظف الياباني يستيقظ كل صباح ليؤدي عمله على أكمل وجه، وبأفضل جودة ممكنة، مما يجعلهم وبلادهم في المقدمة على الدوام؟

يكمن السر في إيمانهم العميق بمبدأ التحسين المستمر “كايزن”.

وكانت البداية من نهاية الحرب على اليابان بعد أن تم إلقاء القنبلة الذرية عليها، فما كان منهم من أجل النهوض مما هم فيه من هلاك مدقع إلا شحذ الهمم وتغيير المفاهيم وصياغتها من جديد، وتسخير الطاقات الكامنة من أجل بناء مستقبل أفضل لبلادهم.

فما هي “كايزن” إذاً؟

كايزن (هي كلمة يابانية مركبة من جزئين “كاي” و تعني غير أو التغيير و “زن” وهي تعني الأفضل أو الأحسن أو الخير). وهي طريقة و فلسفة إبتكرها” تاييشي أوهونو” لقيادة المؤسسات الصناعية والمؤسسات المالية، بل و لتطبيقها في كل نواحي الحياة ، معتمدة على التحليل و العملية . و في ميدان الأعمال أو الصناعات .في العادة تشير كلمة “كايزن” إلى النشاطات التي تؤدي باستمرار إلى تحسين جميع مناحي العمل ، كالصناعة و التسيير الإداري .محسنة النشاطات الموحدة و طرق العمل. وقد نُفذت نظرية “كايزن” في عدة ميادين خلال إعادة إصلاح اليابان بعد الحرب العالمية الثانية و منذ ذلك الحين انتشرت في ميادين الأعمال في كل انحاء العالم . ٢

بل لقد دخلت تلك الطريقة والفلسفة في كل مناحي الحياة اليابانية، ليصبح الإبداع والتنظيم جزءً أساسياً في التربية والتعليم والتطبيق لديهم. وبعبارة أخرى أن يكون الفرد في مرحلة تحسين و تطوير دائم سواءً أكان هذا التحسين في نفسه ، عبادته ، عمله … الخ.

وقد أبهر البروفسور المحاضر كل من حضر وكادت العيون تخرج من مآقيها عندما عرض عليهم تسجيلاً مصوراً لحركة النظام في إحدى محطات القطار بطوكيو العاصمة، حيث ينزل الركاب من قطار يبلغ ٤٠٠ متر وتقوم مجموعة من ربات البيوت بلباس زهري جميل بتنظيف القاطرات كلها، وبعدها يقوم الركاب بالدخول لتلك القاطرات بانتظام ودون ازدحام أو تدافع في نصف ساعة!

ليس ذلك هو الوقت، وإنما في ٧ دقائق فقط

المجتمع المنظّم يُنتج، لأن هناك احتراماً للوقت وتوظيفاً ذكياً للطاقات، وتحسيناً مستمراً لكل حدث وعمل، وتلك إحدى مقوّمات فلسفة “كايزن”، والتي أصبحت ثقافة تتبنّاها أكبر الشركات العالمية المصنّعة للسيارات في اليابان وهي شركة “تويوتا”

ذلك المبدأ المعتمد على الانفتاح للتغيير والتطوير ولو بصورة بسيطة، لكن يجب أن تكون مستمرة، هو الذي جعل المعرفة لدى المجتمع الياباني تراكمياً، وبالتالي تم توظيف ذلك القبول ليكون أداة للتغيير نحو الأفضل، ولتكون نقطة التركيز هي السعي الحثيث لتحسين عمليات الأداء المختلفة.

ففي المصانع والشركات تكون روح “كايزن” حاضرة من خلال التحسينات المستمرة لعملية التصنيع والإنتاج، فضلاً عن بقية الأعمال التجارية الأخرى، ويعني هذا المبدأ بإدخال التحسينات الصغيرة والبسيطة على الخدمات والمنتجات وبشكل دائم، وبهذا لن يستطيع أحد ما اللحاق بك. وهذا المبدأ تعمل به مؤسسة (سوني) اليابانية. فحين سأل مديرها عن جدوى طرح منتجات جديدة بينما القديمة لم تباع فرد قائلاً: إن لم أبتكر وأبدع فسأصبح تابعاً، وأنا أريد أن أكون قائداً لا تابعاً.

ولا يكون ذلك إلا من خلال جرأة في التغيير عبر حذف وشطب كل ما يعيق الإبداع، من نظم وقوانين وقواعد، ومن تغيير لعقلية المشرفين والمديرين أو تغييرهم أنفسهم.

ولا يقتصر الأمر بين جدران المصانع والمؤسسات، بل انتقلت تلك الفلسفة في التفكير والتطبيق إلى المجتمع الياباني في مناحي حياته المختلفة، لتستمر عجلة التطوير والتحسين بصورة لا تتوقف، فتلاحظ وجود آلة في إحدى مداخل قرية يابانية تقدّم لك البيض الطازج، والذي يضعه مزارعو القرية كل صباح في تلك الآلة. بل حتى في أصغر الأشياء التي نستعملها في المنزل يمكن أن تكون روح “كايزن” حاضرة فيها، من قبيل أداة قتل الذباب اليدوية، حيث تم تحسينها ليكون في طرف المقبض ملقطاً يمكن سحبه لالتقاط الذباب ووضعه في القمامة!وما بين خط التصنيع والمولدات الضخمة إلى قاتلة الذباب تسري “كايزن” في كل تفاصيل الحياة اليابانية، لتكون أنموذجاً لروح تغيير آمن بها المجتمع، وما زال يعمل بها في كل مناحي حياته، وهو سر تقدمه وتطوره، الذي سبق الأمم الأخرى التي لم تتعرّض كما تعرّض له من دمار شامل ونسف عنيف لوجه الحياة من أمامهم، ليحولّوا تلك الكارثة إلى فرصة لوضع مفاهيم جديدة للحياة وتطويرها وتحسينها، وما زال الجيل الياباني الجديد يعيش فلسفة التطوير المستمر والبسيط ليأخذ تراكم المعرفة السابق، ليضيف إليها معرفته ليسلمها لمن يأتي بعده، وهكذا

وقد توالى البروفسور “فوجيتا” بتقديم المثال تلو المثال بعد أن استعرض مبادئ “كايزن” كلاً على حده، لنكتشف تلك القدرة الكبيرة في مجتمع يحترم الوقت ويسعى للتغيير الإيجابي المستمر، والذي يتأصل في كل من الشركات الكبرى والصغيرة على حد سواء، لتنتقل إلى كل مناحي الحياة عند اليابانيين.

لم يك الكلام نظرياً، بل معاشاً واقعاً ملموساً هناك في كوكبهم الخاص، كوكب اليابانيين الذي نبتعد عنه بآلاف الأميال من التفكير والجرأة والرغبة في التغيير.

إن لديهم “الرغبة” في التغيير،وانعكس ذلك في طريقة تفكيرهم ونمط حياتهم وأسلوب تعاملهم في العمل. ولا أدري بعد تلك الساعات الثمان السِمان إن كان أحداً من الحضور وأنا منهم قد شغفه حباً لتلك الفلسفة وبدأ يطبقها في حياته قبل محل عمله؟

فالتغيير يبدأ من الداخل وينتشر في المحيط، والتغيير يبدأ من الهرم ليصل إلى القاعدة، وبين الداخل والهرم تلك المسافة المطلوب قطعها للبدء في التغيير الفعلي في المؤسسات والشركات، فضلاً عن الحياة اليومية التي تبتعد عن الاستهلاك والاجترار نتيجة ثقافة “الاستهلاك”.

ما يلزمنا هو تطبيق تلك الخلطة السرية بعد معرفتنا لها، والتي أصبحت مشاعاً في كل العالم، والبدء بالطبخ الفعلي الممارس عملياً في بيوتنا، ومحل عملنا وشوارعنا، وفي كل جنبة من حياتنا.

ولنعرف أن تلك الخلطة السرية كانت منذ البداية على أحد رفوف مطابخنا البيتية “إنّ الله يحب أحدكم إذا عمل عملاً أن يُتقنه”.

The five main elements of kaizen

* Teamwork

* Personal discipline

* Improved morale

* Quality circles

Suggestions for improvement

Major results

* Elimination of waste (muda) and incorporation of efficiency

* The kaizen five – S framework for a well organized shop floor

o Seiri – tidiness

o Seiton – orderliness

o Seiso – cleanliness

o Seiketsu – standardization

o Shitsuke – discipline

ملاحظة:

يمكن تحميل بعض ما جاء في ورشة العمل للبروفسور الياباني “فوجيتا” عبر الوصلة التالية

http://contents.wls.jp/contents/open/ocw/kaizenmgt/index.html

1.Tamkeen.bh

2.Wikipedia

* مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي

Leave a Reply