الوسط، ٥ سبتمبر ٢٠١٥..
المنامة – جعفر حمزة
من «آلام السيد المسيح» لميل غيبسون، الذي لم أستطع إكماله لثلاث مرات بسبب كمية الألم الذي يدفعك للتفاعللاشعورياً وتبكي متأثراً بما حلَّ على نبي عظيم كالسيد المسيح، لم أجد شخصياً ما يمكن وصفه بدقة بأنه فيلم يُدخلك بعمق في حياة العظماء من الأنبياء وتجد نفسك فعلاً قد عشتَ بعضاً من جوانب حياتهم كمثل هذا الفيلم «التُحفة» للمخرج الإيراني المبدع مَجِيد مجيدي.
فيلم «محمد رسول الله» يسلط الضوء على جوانب من سيرة الرسول الأعظم «ص» عند ولادته وفي مرحلة طفولته. وهذه الزاوية قليل ممن فتح أعين الناس عبر الفن السابع عليها، بل أجزم بالقول إنه لا أحد فعلها قبل مَجِيد مجيدي في هذا الفيلم.
يتناول الفيلم من خلال خط زمني جميل أحداث محورية في عصر ما قبل الإسلام وولادة النبي الكريم عبر تركيبة بصرية عجيبة أبدع المخرج فيها حد الكمال ليضع
المشاهد في قلب الحدث زمناً ومكاناً ومشاعراً ومؤامرات وآمالاً، عبر توليفة إخراجية دقيقة جداً لا يرفّ لك جفن عند مشاهدتك لها.
رسالة الفيلم
محمد، رحمة للعالمين. تجسَّدت في اللوحات الفنية عند ولادة هذا النبي العظيم، فتشرأب أعناق البشرية لمعرفته وربط المستضعفين في العالم به. طفولته المباركة انعكاس الرحمة الإلهية فيه، فتجده يعطف على الفقير ويمد يد العون للضعفاء والعبيد، وما تحلّ قدمه المباركة في مكان إلا وتخضر الأرض ويعمّ الخير.
يأخذك الفيلم عبر أحداث متتالية مع النبي العظيم، منذ ولادته، والبركات النازلة معه إلى وقت حضانته عند حليمة السعدية واشتداد عوده عندها، وأينما كان في حلِّه وترحاله تجد من بين يديه الرحمة وفتح أعين الناس لمصدر هذا الوجود وهو الله الواحد الأحد. الفيلم يفيض رحمة في معظم مشاهده، ولا تملك إلا البكاء تفاعلاً معه.
قاب قوسين أو أدنى
الأفلام الدينية التي تتناول سيرة الأنبياء والمتربع على ذلك طبعاً أميركا، لا تجد منها ما يقربك للنبي الإنسان، بقدر ما تجده النبي المُعجِز على أفضل تقدير طبعاً، وتلك إشكالية لم تستطع هوليوود حلّ عقدتها، وذلك لأن المعتقد الفكري والديني عند صانعي الأفلام الدينية في أميركا لهم نظرتهم القاصرة حول الأنبياء نتيجة المعتقد الموروث لديهم عنهم، ويكفي للمتتبع إدراك ما نرمي له.
في «محمد رسول الله» تتفاعل مع المواقف وكأنك تعيشها، وذلك لأن الفيلم يعرض مشاعر المقربين من النبي بصورة دقيقة ومبدعة، بل يقارب أكثر ليقدم مشاعر النبي الصبي نفسه في بعض المواقف، فلا تملك من نفسك إلا ذرف الدموع طواعية.
الأمومة الحميمة جداً من أم النبي وعلاقتها به وارتباطها العميق بالنبي، كحال أم موسى عندما قذفته في اليم، وذوبان حليمة السعدية في حب النبي كحب مريم لعيسى المسيح، وعشق جده عبدالمطلب ويكأنه عشق يعقوب ليوسف، وملازمة أبي طالب والدفاع عنه كأنه ظله الذي لا ينفك عنه.