اللي في قلبي على ثيابي

جعفر حمزة*

التجارية ٣١ ديسمبر ٢٠٠٨م

شدته بقوة لجرأتها، بل و”لوقاحتها” الواضحة لتخرج للملأ دون رقيب أو حسيب، فاقترب من صاحبها اليافع وسأله عنها: “تعرف شنو مكتوب على فانيلتك؟”.
فكانت إجابته بالنفي، وأردف قائلاً: ” بس شفتها فانيلة سودا، واشتريتها عشان محرم، يعني شنو مكتوب عليها؟ كتابة بالإنكليزي وبس!”

لم يكن يُدرك بأن العبارة التي يحملها على صدره تدعو للإباحية وبصورة مباشرة ومقززة، ويبدو أن ما دفعه لشرائها هو لونها الأسود ليتناسب مع موسم شهر محرم والذي يتشح فيه المجتمع البحريني بالسواد إحياءً لذكرى عاشوراء الأليمة، والتي اُستشهد فيها حفيد الرسول الأكرم (ص) الإمام الحسين (ع) عند رفضه لواقع الظلم والتحريف في الدين في زمانه.

وفي كل عام تنتعش سوق الملابس السوداء في البحرين عند اقتراب موسم عاشوراء، نتيجة أن الكثير من الناس يلبسون السواد إظهاراً للحزن على فاجعة كربلاء، وإحياءً لتلك المناسبة الدينية الكبيرة.

ويبقى السؤال، ما الذي نلبسه في محرم؟ وأي نوع من السواد يمكننا لبسه؟ وهل هناك بديل؟

يُعتبر شهر محرم من ضمن المواسم الدينية التي تنتعش فيها أسواق بيع الملابس السوداء، كونها تمثل مظهراً للحزن وتعبيراً عن معايشة أجواء هذا الشهر العظيم، ونتيجة لفقدان “البديل” من الثياب السوداء المطروحة، وخصوصاً بالنسبة للشباب، يتوجه أغلبهم إن لم يكن كلهم إلى شراء كل ما هو أسود، مع بعض الزخرفة أو الحركات الموجودة في الثياب، وذلك كنوع من الاختلاف والتميز، وهو ما يميل إليه الشباب عادة، إلا أن ما يغفل عنه الكثيرون، هو نوعية “المسج” أو الرسالة المكتوبة على تلك الثياب، سواء نتيجة “جهل” من يشتري باللغة الإنكليزية، أو نتيجة “تهاون”، فما دام اللباس أسود، فلا ضير بما هو مكتوب عليه.

وقد لا يقتصر الأمر على مناسبة عاشوراء فقط عند تناولنا لموضوع “مسجات” الملابس، إلا أن أبرز مظاهر تلك المسألة حضورها بسلوك جمعي واحد، وهو لبس الناس للون الأسود، فضلاً عن طبيعة المناسبة والتي هي دينية بحتة.
ونتيجة لذينك السببين: السلوك الجمعي في اللباس، والصبغة الدينية للمناسبة، يكون الأمر بارزاً إن تم تناول موضوع الملابس و”المسجات” التي عليها، وينسحب الاستنتاج من هذا الكلام على جميع الأوقات وفي جميع المناسبات،كل بحسب ظروفه ورسالته وبيئته.

وفي قبال ذلك يبقى السؤال: أين البديل في الملابس وخصوصاً للشباب؟

تُعتبر سوق الملابس من أنشط وأنجح أنواع التجارة في العالم، وتتباين حجم ونشاط تلك التجارة اعتماداً على البيئة والجو وأعراف وتراث كل مجتمع، فالمجتمعات المحافظة لها نمط معين من الملابس في التصميم ونوعية القماش، في حين تكون المجتمعات الغربية لها نمط آخر تميل إليه في الملابس وهكذا، فكل يغنّي على قماشه.

وبذا تتحرك قطعة القماش اتساعاً وضيقاً وزهاء ولونا اعتماداً على ثقافة وميل المجتمع وأذواق الناس فيه.
وعند الحديث عن موسم عاشوراء تأتي خصوصية لا بد منها في الملابس، فمناسبة عاشوراء دينية وتكتسي بالحزن والمأساة، لذا لا بد من تحقق أمرين فيما يخص الملابس في هذه المناسبة، وهما:

أولاً: أن تكون الرسالة “المسج” معبرة عن المناسبة، لتتخذ خصوصيتها في المناسبة.
ثانياً: أن تكون حديثة الطراز ومبتكرة।

وذلك لأن الفئة المستهدفة من طرح ذلك هم الشباب والفئة الناشئة والتي تبحث عن الشيء الجديد المميز. وفي حال غياب هذين العنصرين سيكون اللباس الأسود بصورته العامة هو ما يبحثه الشاب للبسه في هذه المناسبة الدينية. ونتيجة لذلك تنتشر الألبسة التي تحمل الشعارات والكلمات التي لا تمت إلى الإنسان المسلم فضلاً عن تناقضها الواضح مع رسالة موسم محرم التغييرية والإنسانية.

فما الذي ينقصنا لتقديم البديل المنافس؟

إن المقومات موجودة لطرح مثل هذا المشروع، فالقاعدة المستهلكة لهذا النوع من المنتجات “الثياب السوداء” موجودة، وجودة التصنيع متوفرة، وما علينا إلا صياغة “ماركة” يمكنها أن تحل مكان المطروح في الأسواق، وخصوصاً للمجتمعات المحافظة.

ويمكن اعتبار مشروع “البديل” والذي طرحته شركة “إسلاميديا” من خلال منتجها الجديد “نبراس” تجربة تستحق التقدير والإشادة والدعم، وقد سمعت الكثير من التعليقات المشجعة على هذه الخطوة، مما يشير إلى مقدار الفراغ الحاصل في السوق بالمجتمعات المحافظة، والتي تريد أن تواكب العصر وتحتفظ بالهوية في نفس الوقت، وذلك ممكن وبطريقة محترفة أيضاً إن أحسنا التخطيط وقدمنا البديل المنافس والأقوى.

فالتصميم حديث وشبابي بعضه باللغة الإنكليزية والآخر باللغتين العربية والإنكليزية، فضلاً عن تقديم نماذج نسائية في الملابس، لتتسع دائرة “البديل” وتدخل بحركة ملحوظة في السوق، من خلال تقديمها البديل المناسب والذي يجمع بين الأصالة والمعاصرة في آن معاً.

ومن اللطيف في الأمر تحوير مثل شعبي وهو “اللي في قلبي على لساني” إلى ترجمة ذكية لرسالة “نبراس”، حيث أصبح “اللي في قلبي على ثيابي”، وهو تعبير عن الهوية والاعتزاز بالثقافة من خلال طرحها للنماذج التي تحوي الرسالةالمناسبة للموسم.

وسيمثل “نبراس” انطلاقة جديدة ومميزة-إن تم التخطيط لها جيداً- لتكون ماركة بحرينية محلية، تقدم البديل المنافس في الثياب، ونأمل أن نرى مشاريع مشابهة تنزل في السوق وبقوة معتمدة على ثقافة المجتمع والتي تمثل نقطة البيع الفريدة للمنتج، وهو ما لا تملكه الماركات الأخرى العالمية.

وقد نطمع بأن نرى عروض “fashion Show” تحمل من القيم ما تمثل نقلة نوعية في التعامل مع اللباس، والذي بات بمثابة جلدنا الثاني؟
فهل ينقصنا شيء، فالجمهور والملعب في صفنا، لكي لا يستمر لبس شبابنا لثياب تحمل من الرسائل بعضها ما يخدش الحياء وبعضها ما يحارب الدين،
ليكون شعار”اللي في قلبي على ثيابي” واقعاً عملياً ملبوساً مطلوباً.


*مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي.

Leave a Reply