المثقف والأزمة عصا السحرة أو فأس ابراهيم

المثقف والأزمة
عصا السحرة أو فأس ابراهيم

جعفر حمزة

مجلة نجايل الثقافية، الصادرة من موقع متكأ الثقافي

وجود المثقف مرتبط بالفعل والقوة بوجود الأزمة في
المجتمع، حيث تكون أدوات المثقف المختلفة، من قلم
وريشة وعدسة وصوت معنية بتحركها -الإيجابي-
أثناء أي أزمة تعصف بالمجتمع، لما له من قدرة
معرفية وإحاطة بالمتغيرات أكثر من غيره.

وقد تكون تلك الأدوات مُسخرة من لدن صاحبها
المثقف لتؤجج الأزمة وتضخمها وفق مصالح السلطة
التي تكون خلف المثقف ليحرك الأخير أدواته بأمرها
كسحرة فرعون التي كانت لهم القدرة على خداع الناس
بصرياً و أأتمروا بإرادة فرعون.

أو أن تأخذ من العقل الجمعي لها سَنَدَاً لتسبح مع تيار
السلوك العام للمجتمع، ليكون لسان حال المثقف )هذا
ما وجدنا عليه آبائنا(
ولا يبرز المثقف إلا حين الأزمة لا غير، والحديث
عن أي أزمة وفي أي درجة. فالذهب لا يظهر إلا
بالاحتكاك وتعريضه لللهب فالمثقف المغيّر والمبصّر
– بكسر الصاد وتشديدها- كالنبي في قومه.

فما يريده المثقف؟
الإصلاح وارجاع الناس لإنسانيتهم
الدافعة للبناء والعطاء والعدالة والاتزان.

فالذي يفعله
)المُصلح( المتبصّر للأمور في مجتمعه هي نفس
الحالة التي يقوم عليها المثقف.
ولا يخلو أي مجتمع من أزمة، بل هي وليدة مع تكون
المجتمعات أصيلة فيها، ما دام الإنسان فيها، إلا أن
نسبة ظهورها وقوتها في الحضور تتفاوت من مجتمع
لآخر، لتكون أزمة أخلاقية في هذا المجتمع بارزة فيه،
ولتكون لمجتمع آخر أزمة اقتصادية، وهكذا تتنوع
الأزمات ظهوراً وشدة.

والمثقف إما أن يكون )مُنظراً( مبتعداً عن المجتمع
ملامسة ومعايشة، فيكون “إكسسواراً” لا غير.
وإما
أن يكون بارعاً في استخدام أدواته، ويكون مفترق
الطرق للبارعين من المثقفين، فبعضهم يُسخّر قدرته
من أجل القوة المسيطرة في المجتمع بسلبياتها، في حين
يبقى “النزر” القليل ممن يبسط قدراته لرفع الأزمة
وإصلاحها. ليكون الأول “مرضاً” والآخر” مصلاً”.
ويواجه المثقف “المصلح” مطرقة السلطة وسندان
العُرف الجمعي، فبين مقارعته للسلطة وأدبياتها بما
تملكه من قوة وامتداد، وبين مقاومته لسيل العُرف في
العقل الجمعي المحرّك لهم.

فتكون مهمته في بُعدٍ أُفقي لتبصير المجتمع ورأسي
لمخاطبة السلطة، وثالث الأبعاد في ذاته بالصبر وشحذ
الهمّة وتوسعة مداركه وارتباطه بالسماء.
إنّ المثقف المسؤول عليه أن يحوّل قلمه إلى رئة يتنفّس
بها الواقع، وتزفر “التغيير الإيجابي” لا إلى معدة
خاضعة للشهية وخصوصاً وقت الأزمات، «لتتقيأ »
أحرف تنخر في المجتمع كحمض قاتل.
فالمثقف فيه روح من مسؤولية النبوة بالتغيير للأفضل
من أجل الناس وليكون قلمه كعصا موسى ويد السيد
المسيح وقرآن محمد
وحين الأزمة على المثقف أن لا يكون ممن يجلس على
«التل » لأنه أسلم له. وهو ليس بخائض معاركه -كما
يتخيلها في ذهنه- كمعارك “دون كيشوت” بل هي إليه
رحلة “سلمان المحمدي” وصراحة وجرأة “أبي ذر
الغفاري” وشجاعة “غاندي” وصبر “مانديلا” وثورة
“الخميني”.

تلك المعارك الثقافية هي جزء من تكوين شخصيته، فأنّى
لها أن تكون وهماً وبعيداً عن واقع يعيشه كل يوم؟
إنّ من المثقفين -كما يحب أن يسمون أنفسهم به- من
يحتضر ومنهم من صمد وما اتخذوه سبيلاً. وأيضاً
منهم من فسد، تلك هي فسيفساء الوضع الثقافي في أي
مجتمع حي، ذلك الخليط الغريب وغير المتجانس بين
مثقف ميت يسير ومثقف حي جامد بلا حراك.
ليس للمثقف حلم في لحظة وآخر في لحظة ثانية.

فحلم
المثقف -في السلم والأزمة- هو تجسيد معنى الإنسانية
بعناوينها العامة التي تحترم إنسانية الإنسان وتضعه في
منزلته “الطبيعية” لا المصطنعة من اللحظة التي يدرك
فيها المسؤولية، وذلك صراع خاضه الأنبياء والرسل
والمفكرين والمغيّرين وأصحاب الثورة والمبادئ.

حلم المثقف أن يكون في صف أولئك الذي يجهدون
لإرجاع التوازن الطبيعي لحركة الإنسان مع أخيه
الإنسان، دون تمييز أو بطش أو إسفاف. لذا لا يبقى
مثقف “إنسان” في حاله، فهو محارب لإنسانيته التي
معناها الوقوف في وجه أصحاب المصالح الذاتية
والبرجوازيين الجدد من مفكرين ومتنفذين ومتسلطين
وحكام وغيرهم.
كوقوفه برأفة مُصلحاً ومُبيناً لأولئك “المتثاقلين” إلى
الأرض في مجتمعه وقريته ومدينته وبيته.

حلم المثقف أن يبقى إنساناً أولاً ويسعى ليكون ما حوله
في المجتمع يعيشون الإنسانية في صورها المختلفة
والمتنوعة، ولتكون أدوات المعرفة لديه في ذاك السبيل
لا غير.

ليترك فرعون ويُوظف «عصاه » من أجل حرية
الإنسان ومن أجل موسى «العدالة الاجتماعية »
و »الحرية المسؤولة »
محطماً بفأس «ابراهيم » أصنام البرجوازية الجديدة
والأعراف المُغمضة للعيون والعقول.

http://www.mutak2.com/mutak2up/uploads/12885604741.pdf

Leave a Reply