أنت ماء أم عصير؟

جعفر حمزة*

كان يحدثني وفي صوته خوفٌ لم يعهده من قبل، مما جعل الأحرف تتلعثم في لسانه وتخرج مضطربة، لا يعرف معناها إلا هو لا غير.

هو خوف “الاستغناء عن خدماته” أو بعبارة أكثر وضوحاً الخوف من “الفصل عن العمل”، وهو “الفيروس” الذي انتشر في الشركة التي يعمل فيها، حتى بات الواحد منهم لا يعرف متى يكون “مصيره”، وكأن عزرائيل هو من سيأخذ “أرواحهم”.


ويبدو أن الأزمة المالية قد ألقت بظلالها الثقيلة على الكثير من الصناعات والشركات مما ولّد ثقلاً لا تحتمله، فأصبحت تلك الشركات والمؤسسات كصاحب السفينة المحمّلة بالعديد من الأثقال وهي على وشك الغرق، فإما تتجاهل تلك الأثقال ليكون مصيرها الغرق، أو “تُلقي” بتلك الأقال ما أمكن حتى تنجو.
وبطبيعة الحال لا يمكن إلقاء الطعام من على ظهر السفينة إلا أنه يمكن إلقاء الثياب وأشياء أخرى لا تُعتبر ضرورة.
وبالتالي يكون السؤال لصاحبنا هل أنت ثقل كمالي ليكون مصيرك البحر و”الفصل” أم ثقل “ضروري” بحيث لا يمكن الإستغناء عنك.
وحتى لو تم ذلك فهناك العديد من السفن التي بقدر ما تريد أن ترمي من ثقل كمالياتها فهي تبحث عن “مؤن” لها، لتستمر في الإبحار وسط موج هائج.

فإن كنت كالماء لا يمكن الإستغناء عنه، فلا خوف عليك. إما إن كنت عصير برتقال أو جوافة، فالخوف سيكون ملازمك لأن دورك كمالي لا ضروري.
فمن الذي يحدد ماءك من عصيرك؟ أنت

ففي ظل هذه الظروف الاقتصادية العصيبة التي تجتاح العالم، ونحن لسنا بمنأى عنها، وخصوصاً لأولئك العاملين في القطاع الخاص بصورة ، لابد من القراءة المتأنية في العديد من السلوكيات الوظيفية والاستهلاكية والتي تشكل بطريقة أو بأخرى موقعنا في العمل “الحالي” أو ؛المستقبلي
هناك العديد ممن ينتظرون اقتناص الفرص ونزع الفرصة من بين يديك، ليحلّوا محلك -سواء بواسطة أو بكفاءة-، ولإيقاف ذلك -الزحف- الموازي لموجة الأزمة المالية لا بد من الوقوف قليلاً لمعرفة طريقة الإنتقال من كونك “عصيراً” للشركة إلى “ماء” لا يمكن الستغناء عنه، بل حتى مجرد التفكير في ذلك أصلاً.

فكيف تتحوّل إى ماء وتبقى في السفينة بدلاً من رميك -إن كنت عصيراً- في البحر؟
أولاً: العمل بنسبة كفاءة أكبر في العمل، مما يعني أنك توفّر للشركة المال والوقت بعملك، فضلاً عن وجودك الفاعل والذي ستكون لها عوناً ولست زائدة دودية.
ويتأتّى ذلك من خلال الاستغلال الأمثل للوقت (٨س اعات أو ٩ ساعات) لما يخدم الشركة أو المؤسسة بصورة أفضل، فالوقت مال فكلماأرجعت الوقت للشركة بصورة منتجة أرجعت لها رأس مالها المسكوب في الوقت، والذي يهدره الكثيرون.
ثانياً: تقديم الحلول الإبداعية للتقليل من مصاريف الشركة، حتى لو في الأشياء التي تبدو “تافهة” لك، فلا شيء تافه إن كان مجموعه رقماً يحدث فرقاً لدى الشركة، على سبيل المثال لا الحصر، إعادة استخدام الأوراق لطباعة الملاحظات أو للأغراض المكتبية الثانوية، فضلاً عن الاستفادة من تلك الأوراق في عمل ملازم للملاحظات تقدّم للموظفين.
أو التقليل من طباعة الأوراق الملونة ولاقتصاد على الأبيض والأسود للضرورة، وهو أمر يستهلك جزء من ميزانية اشركة في نهاية المطاف.

ثالثاً: الاستفادة من الدورات المقدمة من قبل الشركة، والإقدام على الدخول في دورات تحسين الأداء وتعلّم مهارات أخرى تخدم العمل حتى لو كانت على حسابك الخاص، ففي الأخير أنت تدفع من أجل أن تقبض، وما تنمية مهاراتك المهنية إلا لضمان مدخوالمالي ثابت لك -لى الأقل-، فضلاً عن إمكانية الاستفادة من تلك المهارات في تقديم خدمات خرى خارج الدوام الرسمي، وهو ما يضمن لك مدخول إضافي في كل شهر.

رابعاً: متابعة آخر السمتجدات المتعلقة بلاقطاع الذي تهعمل فيه، حيث سيبقيك ذلك على وعي ومعرفة بالتطورات التي تقع في مجال عملك، والأخذ بالإحتياطات اللازمة بدلاً م نحصول “الصدمة” في آخر لحظة.

خامساً: “لا تضع كل البيض في سلة واحدة” من خلال اتقانك لعمل واحد فقط، ولا تكن صاحب السبع صنائع و”البخت” ضائع، بل بين بين، حيث أن امتلاك المهارات وباتقان وفي أكثر من مجال يجعل منك الورقة الرابحة في الشركة، وهو ما يطلق عليه أحد الكتاب الغربيين في كتابه “الاقتصاد العالمي” بحرب المواهب، حيث تسعى الشركات الجديدة لتوظيف الكفاءات التي تملك أكثر من مهارة.

سادساً:كُن المشجع وصاحب المبادرة الإيابية في الشركة، ولا تكن ممن يوزع “النظارات السوداء” على الموظفين، إذ سيكون م نالضروري اللاستغناء عنك، بدلاً م نالتفكير أكثر من مرة في ذلك القرار.

سابعاً: العمل على تنمية مهارات يدوية قد تتمتّع بها، حيث ستساهم في إبراز قدراتك في العمل، فضلاً عن كونها “البديل” في حال الإستغناء عنك، فمبقدور تلك الموهبة أن توظفها بطريق ةيمكنك جني الما لمن وراءها.

وأما أصحاب الأعما الصغيرة، فليس لديهم خار آخر إلا ليكونوا الماء الذي يتم ااحتفاظ به، وفي غير ذلك سيكون العصير المسكوب أرضاً ولا من مبالي.، فعليهم الاستفادة من الفرص المتوافرة وبأقصى درجة ممكنةلتطوير أعمالهم وترسيخ أقدامهم في السوق، سواء من خلال الحفاظ على زبائنهم واكتاسب جدد، أو إدخال إضافات ذات تأثير على العمل سواء من ناحية تقنية أو من ناحية خدمية.
ذا فضلاً عن البحث عن الفرص الأخرى المخواتية والتي تدفع أعمالهم لمستويات أفضل، وعلى سبيل الثمال لا الحصر هناك العديد من البرامج وآليات الدعم التي تقدمها مؤسسات الدولة (تمكين-على سبيل المثال).

ويأتي دور الدولة كحافظ للتوازن المفقود في الوقت الحالي، وذلك من خلال رؤية واضحة يتم من خلالها التوظيف الأمثل للثروة الموجودة -النفط-، حيث يمكن ملاحظة وجود قصور في قطاع الصناعات البتروكيماوية ومشتقات النفط (الصناعات الدوائية، المطاط، لصناعات العطرية، البلاستيك بأنواعه، وغيرها”، فضلاً عن “صيام” في مجال البحوث والتطوير في تلك الصناعات، بالرغم من وجود الثروة إلا أن مجال تطويرها مفقود.
وعند سعي الحكومة لتطوير ذلك الأمر ستخلق العديد من الوظائف والصناعات الصغيرة والمتوسطة، واليت لها كبير الأثر في إنعاش الطبق المتوسطة، وبالتالي الحفاظ على التوازن الاجتماعي، والحد م نسلبيات ترهّل الطبقة الوسطى، وتبعات ذلك الاجتماعية ولاقتصادية في المجتمع.وكا يُقال فرب ضارة نافعة، فالأزمة المالية وقبلها ارتفاع الأسهار، وقبلها العديد من الملفا الاقتادية الشائكة يحتم على الفرد العمل للوصول إلىالثلاثية التالية:
أولاً: رفع مستوى الكفاءة
ثانياً: إعادة سلوكيات الاستهلاك
ثالثاً: استغلال الفرص داخل وخارج العمل

ولتتحوّل إلى “ماء الشركة” هناك ثمن ينعكس على وقتك الاجتماعي والعائلي، وبالتالي تكون الجدولة ونظم الأمر والتوازن بين العمل والاستغلال الأمثل للوقت فيه أمر لا بد منه، فأنت بين نارين نار الخوف من ضياع الفرص -على أقل تقدير في العمل أو الفصل منه-على أسوأ تقدير-. والنا الأخرى هي نار احتراق روابط علاقاتك الاجتماعية والأسرية، وللحفاظ على وضع مستقر لابد من “مطفأة حريق” لكلتا النارين.
وتبقى بينهما “ماء”: لكليهما، للعمل والأسرة والمجتع.

وفيما عدا ذلك. سيكون مصيرك البحر، ليلتقطك من يرى العصير أفضل له من الماء.

* مختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي

http://www.altijaria.net

Leave a Reply