على الطاير

جعفر حمزة*

التجارية ١٦ يوليو ٢٠٠٨

لم يك الوقت مُعيناً لي في “التقاط” ما كان مكتوباً في الإعلان، بالرغم من تكراره لأكثر من مرة في نفس الطريق، لا لسرعة كنتُ أقود بها سيارتي، بل نتيجة كتابة “مقال” في إعلان خاص بالطرق، وذلك أحد الأسباب التي تقع فيها بعض الجهات المُعلنة، والتي تفتقد لألف باء الإعلان في الطرق، والنتيجة هو وضع المال والرسالة المراد تقديمها للجمهور بطريقة غير احترافية، بحيث “يتبخّر” المال و”تضيع” الرسالة، ولا “من شاف ولا من دري” كما يقال.

ومن الجدير بالذكر أن إعلانات الطرق تحتل المرتبة الرابعة بعد كل من إعلانات الصحف والتلفزيون والمجلات، وتأتي إعلانات الراديو والسينما في المرتبة الخامسة في سلّم استخدام وسائل الإعلان للترويج والإعلان بصورة عامة في الوطن العربي وبالخصوص في منطقة الخليج.
وهذا يستدعي التمعّن قليلاً والتفكير في الوسائل العملية والفعالة في الاستفادة المثلى من هذه الوسيلة في الإعلان، وهناك ميزة فريدة في البحرين تجعلها مختلفة عن بقية دول الخليج في استخدام إعلانات الطرق، وهي صغر مساحتها، مما يجعل من إعلانات الطرق وتوزيعها أمراً سهلاً وممكناً، وخصوصاً في تلك الأماكن التي تشهد حركة سير مكثفة ومتواصلة. ونتيجة لذلك أصبحت أسعار إعلانات الطرق مرتفعة بناءً على المكان والمدة، وهذا ما جعل من ابتكار وسائل أخرى من حيث المكان والطريقة مشهوداً في بعض المناطق بالمملكة. حيث يتم تأجير مساحات أسقف المنازل والبنايات للإعلان، وهو ما يعكس تزايد الطلب على هذه النوعية من الإعلان.
ونتيجة لذلك التزايد والكثافة في إعلانات الطرق، ينبغي أن تكون الإعلانات الناجحة محققة للكثير من الشروط لترتقي إلى مستوى التميّز والملاحظة في خضم “تخمة” إعلانات الطرق والتي تروج للمنتجات والخدمات والرسائل الأخرى من القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني وغيرها.
فما السبيل لجعل الرسائل التي يريد أن يوجهها القطاع العام مميزة وترقى لمستوى الإهتمام وشد الإنتباه، وذلك في ظل الكثافة الإعلانية على الطرقات؟ فضلاً عن إيصال رسالتها بطريقة مبتكرة وواضحة بعيداً عن الأفكار المكررة، والتي لا تشد انتباه الفئة المستهدفة من الإعلان، وغالباً ما تكون الجمهور العام من المواطنين.

ومن الجيد أن تخرج الوزارات الحكومية والقطاع العام بصورة إجمالية في خططهم الإعلانية عبر وسائل متعددة، ومنها إعلانات الطرق، إلا أن الصورة غير مكتملة، بل هناك نقص مركّب فيها، وهو مدار حديثنا الذي نريد أن نسلط الضوء فيه على نمط الإعلانات من القطاع العام في الطرقات، وما أوردناه في بداية الحديث، وهو الوقوع في مطب الإسهاب للتعبير عن الرسالة أو الخدمة هي إحدى السلبيات التي نصبح ونمسي عليها عبر إعلانات معظم الوزارات إن لم تكن كلها، فما هي القطعة المفقودة -والحقيقة هي أكثر من قطعة- في الصورة الإعلانية التي تقدمها الوزارات أو القطاع العام بصورة إجمالية؟

القطعة الأولى: الإسهاب في كتابة محتوى الإعلان وطوله، حيث من المفترض أن يكون المحتوى “Content” مختصراً وواضحاً ومباشراً، فوقت قراءة الإعلان على الطرقات تُعد بالثوان . فما يُكتب في الإعلان المطبوع “الصحف والمجلات” لا يمكن وضعه كما هو في إعلان الطرق، وخصوصاً إذا كان المحتوى يحتاج وقتاً للقراءة.

القطعة الثانية: الاستهلاك في استعمال الأفكار المكررة والتي تدور حول فكرة واحدة وتطبيق واحد، فضلاً عن غياب الأفكار الجديدة في عرض الرسالة المقدمة، سواءً كانت خدمة أو معلومة. وهذا ما يجعل الإعلان غير ملفتاً ومؤثراً، بالرغم من أهمية المحتوى الذي يتضمنه. ولكي لا يكون الكلام في الهواء، فإننا نسرد مثالين عن ذلك، هما: إعلانات هيئة الكهرباء والماء والخاصة بحملة الترشيد والتي تذكرنا بنمط الإعلانات في السبيعنيات، وإعلانات وزارة التنمية الاجتماعية في “صيفنا بديرتنا” حيث أن أقل ما يقال في شأن تلك الإعلانات أن “لا جديد تحت الشمس”.

القطعة الثالثة: بالإضافة إلى المحتوى والفكرة Content and Idea، هناك طريقة العرض،فحال الإعلان كحال المنتج، فإذا تم تقديم المنتج في علبة ملائمة، فإنها تشد الزبون لشراءه، فمهما كانت أهمية المنتج، لن يحظ بالاهتمام ولن يشد الانتباه ما دامت طريقة تغليفه وتقديمه غير مشجعة، وهو ما يسمى ب”Packaging”. والمتمثل في اختيار الألوان، الحجم والشكل المقدم في الإعلان. فضلاً عن حجم ونوع الخط وكمية المحتوى في المساحة المعروضة. والملفت للنظر هو تكرار مثل هذه الأخطاء بطريقة أصبحت “عرفاً” متداولاً في الكثير من الجهات الحكومية، منها على سبيل المثال لا الحصر، الإعلانات الخاصة بترشيد استهلاك الكهرباء والماء وإعلانات الحكومة الإلكترونية، حيث يلاحظ في الأخيرة زيادة حجم المحتوى المقدم حيث يتناسب مع الإعلانات المطبوعة أكثر من إعلانات الطرق.

القطعة الرابعة: من المهم بعد استكمال تلك القطع وضعها في مكان ووقت مناسبين، وذلك بمعنى اختيار المكان المناسب لعرض الإعلان والمدة الزمنية التي ستكون موجودة، وما يقرر ذلك هو معرفة الفئة المستهدفة “the target” من الإعلان.

القطعة الخامسة: ليكون صوتك مسموعاً بين الجمهور، فهناك طريقتين، إما أن يكون صوتك أرفع من أصوات المحيطين بك وإما أن تذهب للمنصة وتتكلم في مكبر الصوت، والأمر سيّان في ظل “تخمة” من الإعلان في الطرقات، حيث باتت طرق الإعلان فيه متعدددة، فمن المنصات ذات الحجم الكبير إلى المنصات ذات الحجمين والمتوسط والصغير”Megacom, lamppost,Mupi, Unipole”.

ومن المهم ابتكار وسائل تقدم الفكرة والرسالة للجمهور بطريقة مميزة، فلا التزام مشروط بحجم وشكل الإعلان الموضوع في الطرقات. واعتماداً على نوع الرسالة المقدمة تتم صياغة الطريقة التي يتم تقديمها للجمهور المستهدف.

وهناك الكثير من القطع الأخرى، إلا أننا قدمنا تلك القطع التي تمثل أولوية مهمة في الاستفادة المثلى من وسيلة إعلانية، وبصورة فعالة، عوضاً عن وجودها كإحدى وسائل الحملة الإعلانية لهذه الوزارة أو لتلك الجهة، بعيداً عن فهم أساسيات التأثير والخروج بأكبر فائدة ممكنة من تلك الوسيلة،

ولا نتوقع أن تتغير العقلية الكلاسيكية في الإعلان في القطاع العام بين عشية وضحاها، إلا أننا نتوقع -على الأقل- وجود نية حقيقية في التغيير بما يتناسب مع المستوى المتغير في الخطاب الإعلاني، وذلك عبر الاستفادة من المختصين والشركات ذات الخبرة والمبدعة في هذا المجال. ونقولها بصراحة، أنه لا يكفي أن نقول أن هذه الوزارة أو تلك الجهة قامت بحملة إعلانية وكلفتهم مبلغاً من ميزانيتهم دون الإطمئنان إلى “احترافية” تقديم تلك الحملة، فليست الحملة الإعلانية “موضة” أو “براءة ذمة”
بل هي مسؤولية تحتاج لخطة ومختصين وميزانية ودراسة، وليست هي عملية “على الطاير” ليُقال بأن هذه الوزارة أو تلك الجهة قد قامت بحملة إعلانية، وللإنصاف ومعرفة فعالية الحملة، ينبغي القيام بدراسة ومسح لمعرفة مدى تأثير هذه الحملة ولا يمكن الاكتفاء بتدشين الحملة فقط.
فهل تستمر حملات إعلانات الطرق “على الطاير”؟

*مختص في ثقافة لصورة والاقتصاد المعرفي.


Leave a Reply